الحريري يبادر: سأُحاسبكم جميعاً!
لم تهدأ العاصفة داخل أسوار تيّار المستقبل بعد. ما عُمِل طويلاً على إظهاره كـ”قلعة حصينة” تحولت بفعل الإنتخابات البلدية أولاً والصراع على “التَرِكة” ثانياً، بيتاً زجاجياً لا رُكن له. بعد هجوم أشرف ريفي ونهاد المشنوق، تتجه الأنظار الى ردّة فعل سعد الحريري. وبين الفعل وردّة الفعل، يهتز إرث رفيق الحريري السياسي والإجتماعي، بقوة اهتزاز مركز القرار في السعودية باعتباره الحاضنة التاريخية لآل الحريري في لبنان. في الأصل، تعاني السعودية من هزّات ارتدادية هي الأخرى بفعل عنف المواجهة بين المتصارعين على وراثة مملكة النفط والذهب.. والمذهب.
على عكس كل المتفاجئين بما آلت إليه أمور “المستقبل”، ثمّة داخل “التيّار الأزرق” مَن يقف ويقول: لقد حذّرتكم من هذا السيناريو. أسباب كثيرة لـ”الإنهيار السريع” يسوقها أحد العليمين بالتفاصيل داخل تيّار المستقبل. يقول إن ما ظهر في الإعلام من “تمرّد” قاده وزير العدل المستقيل أشرف ريفي، ولاحقاً ما أعلنه وزير الداخلية نهاد المشنوق، إنما هو رجع صدى للنقاشات الحادّة والصراعات الخفية التي ظلّت “تفور” طويلاً داخل حدود الأُطر التنظيمة وجلسات منسقيات المناطق، وحتى اجتماعات المكتب السياسي والكتلة النيابية.
التفلّت الحاصل داخل أروقة البيت الأزرق له مسبّباته. يقول المصدر إنه لم يحصل قبلاً أن مسؤولي التيّار شعروا، من رأس الهرم الى أصغر منسّق، أنهم متروكون في بحر من المتغيّرات المتسارعة سياسياً وأمنياً وعسكرياً، كما هو حاصل هذه الفترة . اليوم، صار المستقبليون أكثر استعداداً وصراحةً للإعتراف بوجود “مرجعية إقليمية” لهم هي السعودية. لطالما كانوا يواربون في الحديث عن الأمر، إنسجاماً مع شعارات السيادة والإستقلال و”لبنان أولاً”. وعليه، رَبْط حالة الإرباك “المستقبلية” بـ”التغيّرات الجذرية التي حصلت وتحصل في المملكة”، بات حاجة للتبرير. يقول المصدر، إن صراع الأجنحة داخل المملكة قسّم تيّار المستقبل الى أجنحة أيضاً. الأمراء في السعودية “يستقوون على بعضهم” بما ملكت سطوتهم وسلطتهم. تيّار المستقبل هو أحد مراكز النفوذ السعودي على الساحة اللبنانية، وبالتالي انقسمت ولاءات رموزه وشخصياته بين الأمراء، فكان ريفي والمشنوق أكثر الحالات نفوراً ووضوحاً.
ثمة شعور لدى أبناء التيّار الأزرق بأن السعودية تريد أخذ السُنّة في لبنان “بالمفرّق”. تقول المصادر إن الحديث عن “سحب الوكالة السعودية الحصرية من يد المستقبل” وتوزيع امتيازاتها على الشخصيات والتيّارت السُنيّة المتعدّدة في لبنان، فتح شهية كل الطامحين الى دور سياسي في المستقبل على حساب “المستقبل” لـ”يفتح على حسابه”.
على هذا بنى كلٌّ من ريفي والمشنوق حساباتهما. يعرف كل مَن في “المستقبل” وحتى خارجه، العلاقات الوطيدة التي تجمع بين ولي العهد السعودي محمد بن نايف ووزير الداخلية . أما ريفي، فتربطه علاقات بدوائر مقرّبة من ولي ولي العهد وزير الدفاع محمد بن سلمان، لا بالأمير مباشرة كما هو حال المشنوق. من هنا تنطلق المصادر لتقول إن ما حصّله ريفي في طرابس أخيراً إنما هو “زعامة وهمية” نتائجها غير قابلة للصرف على نطاق أوسع من مقاعد بلدية طرابلس الـ18. إذ لا امتداد سياسي أو “غطاء أميري” للحالة الريفية الى الآن، فيما لعب المشنوق في الوقت الصح.
تعتبر المصادر أن أي طامح للوصول الى السرايا الحكومية، لا يمكنه القطع مع أطراف أساسية في البلد كحزب الله مثلاً. هذه الميزة التي يفقدها ريفي بقوة، حافظ المشنوق على خيوطها بدقة. تعطي هذه المصادر اداء الحريري السياسي تجاه حزب الله كمثال في محاولة لتأكيد صوابية كلامها. تقول إن الحريري وعلى الرغم من أنه يبني كل خطابه السياسي على مهاجمة الحزب ودوره في سوريا بشكل أساسي، إلا أنه لم يقطع التواصل معه، إنْ عبر حوار عين التينة الثنائي، أو عبر مجلس الوزراء واللجان النيابية وغيرها. غير أن المصادر نفسها تدعو الحريري الى البدء بعملية جريئة للتخفيف من الخسائر التي مُني بها في هذه المرحلة، إذ لا حليف مسيحي له، ولا حليف سُني أيضاً، ولا علاقة جيدة مع حزب الله، إضافة الى المشاكل المستجدة داخل بيته حيث تتنامى الحركات الإعتراضية، على مستوى الكوادر والقاعدة الشعبية على حد سواء.
انطلاقاً من هذا الواقع، تؤكد المصادر الزرقاء توافر النيّة الجديّة لدى سعد الحريري للمحاسبة. أكّد الحريري بنفسه ميله للمحاسبة في سلسلة تغريدات. فأعلن أن”تيار المستقبل سيشهد انتخابات قريباً وسيكون هناك تغيير”، واعتبر أنّ “للجميع الحق في أن يكون طامحاً ولكن من يريد أن يسير بمسيرة الشهيد رفيق الحريري فهذا الأمر مختلف”.
عن ماهية المحاسبة والتغيير توضح المصادر أن الإنتخابات الداخلية في هذه المرحلة غير مضمونة النتائج نظراً لـ”الحالات القوية” التي يشكّلها الثلاثي فؤاد السنيورة – نهاد المشنوق – أشرف ريفي داخل جسم “المستقبل”. وعليه، تقول المصادر إن الحريري لا زال يراهن على “سلّة حلّ” توصله الى رئاسة الحكومة. على الرغم من كل ما آلت إليه الأوضاع، لم يزل سعد الحريري مرشّح القرار السعودي الى الرئاسة الثالثة في لبنان، على قاعدة أن أية معادلة لحلّ الملف الرئاسي سيكون اسم الحريري للحكومة أحد أضلعها. من السرايا يستطيع الحريري “الإنتقام” من كل مَن حاول المسّ بـ”مملكته”، تغييباً عن المناصب وإقصاءً عن الواجهة.. وأشياء أخرى.
تكشف المصادر أن الحريري وضع لائحة بأسماء مَن قرّر “الانتقام” منهم عندما تسمح له الظروف بذلك . تقول إن في الدائرة المقرّبة من الحريري مَن بدأ يفكّر في الموافقة على القانون النسبي كحل لملف الإنتخابات النيابية العالقة. الموافقة على النسبية، حديث بالهمس بدأ يتعالى من حول الحريري على قاعدة تسهيل العودة الى الحكومة من جهة، ومن جهة ثانية تقلُّص “المستقبل” إنتخابياً في هذه المرحلة أفضل من إنتهائه وشرذمته.