الحرب الأميركية على لبنان.. واليقين بالنصر
موقع العهد الإخباري-
أحمد فؤاد:
من المخيف في العالم العربي، والأزمة الجلية التي يمر بها مأزومًا ومأخوذًا، أنها جعلت من إعادة تعريف البديهيات والمسلمات ضرورة عند بدء أي حديث عند منحنياتها وفي وجه كل طارئ جديد إلى سطح الأحداث. والأفدح أن الوعي العام بحاجة دائمة إلى تنشيط الذاكرة بشريط طويل من المواقف والتوجهات، وبحاجة أشد إلى اتباع آخر الحلول الناجعة مع جروح تقيحت، وملأتها الجراثيم، ولم تزدها التغطية إلا ارتفاعًا في احتمالات التلوث والتسمم.
لا شك أن أصعب الأيام في حياة أي شعب أو أمة هي أيام الحرب، باعتبارها الاختبار الأعلى والأكمل للإرادة
في هذا الوقت العصيب تحديدًا تكمن أهمية قراءة جديد لتموز المجيد عام 2006، فجروح الماضي بطبيعتها مفتوحة، حية في الحاضر ومؤثرة في المستقبل، واليوم تتجلى أهمية العودة إلى هذا الماضي القريب، لإعادة بناء وترتيب شؤوننا في ضوء مختلف ومستجدات لاحقة، وهذه الفكرة لا تستعيد فقط لحظة عز ونصر وإيمان، لكنها أيضًا تعيد ضخ دماء جديدة إلى شرايين العقل تنعش الذاكرة المنهكة.
لا جدال في أن أيام تموز 2006 هي أمجد لحظات لبنان، كما هي أشرف المواقف في التاريخ العربي المعاصر. وباعتبار أن الحرب هي المصنع الأول للأبطال، ونيرانها هي القادرة على صقل الأمة وتنقيتها من الخبث، وبكونها صراعًا بين الإرادات المتعارضة عند حدوده القصوى، فإنها تمثل معيارًا أمينًا لفرز معادن البشر وصهر الناس في سبيكة واحدة كشرط أولي مطلوب للمواجهة وكبداية لنقطة انطلاق جديدة، وهي قبل كل شيء كلحظة صدام واسع وشامل، تتمفصل وتدور حول حل جماعي لا مكان فيه للفردية الضيقة والأنانية الكريهة، وكما تدفع الشعوب راضية أغلى وأجل الأثمان لتوفير شروط النصر، فإنها تجد في مشاهد المعارك وتفاصيلها أبطالها الحقيقيين، حملة لواء الكرامة والشرف، وحافظي حقها في الحلم وأمانيها الكبار.
والحديث لا يتوقف عند ماضٍ فات وانتهى وقته ومر زمنه، لكنه ينتمي أكثر إلى فهم قصة الصراع الممتد في المنطقة العربية، وعليها، بين قوة شيطانية هي الولايات المتحدة من جهة، وبين محور المقاومة من جهة أخرى، تتعدد الفصول وتتغير الوسائل وتتباين الخطط، لكنها تبقى صراعًا مستمرًا ومتواصلًا بين الحق كله وبين الباطل كله، والحقيقة الواقعة في هذه الحكاية هي أن القصد الأصل ليس لتصنيف أزمتنا الحالية بأنها معركة ضمن معارك، ولا هي حربًا بين الحروب، لكنها عند أساسها تمامًا فكرة “مستقبل” تخشاه القوى المصممة على إرغام الأمة العربية كلها على الاستسلام والركوع.
هذا العدوان الأميركي السافر على الشعوب العربية عمومًا، وعلى محور المقاومة بشكل خاص ومقصود، لا يوضع، ولا يصح له أن يوضع، تحت تصنيف جموح التصورات أو حتى يندرج تحت عنوان التحليلات المبنية على خيال أو وهم، بل هو الواقع الأكثر صدقًا في المعاناة اللبنانية الحالية، من خطة أميركية تستخدم الدولار “حصان طروادة” لتدمير اقتصاديات الدول وعقابًا جماعيًا للشعوب، وتفتيت المجتمعات بتحريك العملاء وخونة الداخل ومؤسسات ما يعرف بـ “المجتمع المدني” فرادى وجماعات لنشر ثقافة الخضوع والقعود، والفيتو المعلن على أي حل للبنان لا يحتاج لجهد أو بيان، من استمرار الفراغ الرئاسي إلى تعمد تعطيل وتطويل أمد استفادة البلد من ثرواته الطبيعية وحقول الغاز الطبيعي في المتوسط.
في هذا الوقت تحديدًا، والخطر بلغ كل بيت، اختار الأمين العام لحزب الله سماحة السيد حسن نصر الله أن يعيد –في كل خطاباته القريبة- التذكير بطبيعة الصراع وكشف حقيقته، والتركيز على دور بيئة المقاومة في رد العدوان ودحره، وتوضيح ما يجري تمريره عبر الأبواق المشبوهة إلى الداخل اللبناني، ووضع كل إمكانيات المقاومة وإرادتها وثقلها خدمة لهدف كسر مناخ اليأس المسيطر.
وفي خطابه لمناسبة كريمة وجليلة، هي احتفال أقامته المؤسسة الاسلامية للتربية والتعليم في ذكرى انطلاقتها، أكد سماحة السيد أن الرسالة الأساسية في ظل الأزمة السياسية والمعيشية الواقعة في لبنان يجب أن تكون عدم الياس، لأن نتيجته الحتمية هي الاستسلام، قائلًا: “لو قتلتم نساءنا وأطفالنا ورجالنا لا يمكن أن نشعر بالضعف أو الوهن، لا تتوقعوا منا استسلامًا وانصياعًا وخضوعًا”، ليمحق السيد أي أماني كاذبة تراود أرباب الفتنة في الخارج أو أهلها في الداخل أنه بالإمكان انتزاع صك استسلام من المقاومة، أو أنها بالأصل ستركن إلى خيار تجنب المواجهة، الآن أو في أي وقت.
في تموز الغالي كسرت المقاومة في بهاء وتألق وقوة كل المخطط الأميركي لصناعة شرق أوسط جديد، وعبر آلام عملية مخاض أرادتها واشنطن مقدمة لخروج كيانات وأشباه دول مسخ ومجتمعات مشوهة على امتداد الأرض العربية، استولد أبطال الحزب من جحيم الحرب واختبار الحديد والنار بلدًا حرًا مجسدًا، محولين الهدف الأميركي إلى ميلاد جديد لأمل عظيم، عاش وبقي واستمر بالإيمان والتضحية وعقيدة البذل والفداء.
أعاد سماحة السيد على القلوب المحبة المؤمنة ذكرى هي الأغلى والأنبل، وضخ إلى النفوس مضمون كلمته المشهودة في يوم 29 تموز 2006، اليوم السابع عشر للعدوان الصهيوني الإجرامي على لبنان، والمؤامرة قد حيكت، والخناجر جاهزة مستعدة لطعن الظهور في أول لحظة ضعف، والأبواق التي تنفخ في نار اليأس اليوم تذكيه وتنشره مع قذائف العدو وغاراته، والنصر أبعد مما يتصوره عاقل، وقال فيها سماحة السيد نصًا موجهًا الخطاب لأهله وناسه: “للناس الطيبين الصامدين في قراهم ومدنهم وللنازحين قهرا عنها, للصابرين المحتسبين، للواثقين بالنصر، للذين أدهشوا العالم بصبرهم وصمودهم وثقتهم وتماسكهم، للشيوخ الكبار والنساء والأطفال والمرضى، للعائلات التي تفترش الارض وتلتحف السماء دون أن ينال ذلك من إرادتها وشهامتها وشجاعتها، ماذا أقول لكم وهل هناك قول يفي بعض حقكم ومقاومتكم؟ أقول لكم أنا وإخواني فداؤكم أرواحنا ودماؤنا وأنفسنا، فداء لدموعكم وجراحكم وصمودكم وشموخكم، أيها الأحبة ستعودون الى الديار هاماتكم مرفوعة أعزاء، كما كنتم وكما أنتم وكما ستبقون، ليس عندنا سوى الوعد بالنصر الذي تحبون، والقول لكم جزاكم الله خيرًا في الدنيا وفي الآخرة، يا أشرف الناس وأكرم الناس وأطهر الناس”.
في ذكرى أخرى كريمة نبيلة، الاحتفال التكريمي للقائد الجهادي أسد صغير في 6 آذار الحالي، وضع سماحة السيد الشرط الأول لأي خروج عربي من ربقة التبعية والعجز بصورة إستراتيجية وشاملة، تعترف أولًا أننا أمام خطر قائم، وهو الكيان السرطاني المستمر كورم خبيث على أرض فلسطين، يتوجب علينا ان نعمل في سبيل إزالته، ونتضامن في هدف واحد أسمى هو إنهاء هذا الفصل الكئيب من حياة الأمة العربية، وقدم سماحة السيد الوعد الجديد بالخلاص من كل هذه الآلام التي تثخن الجسد العربي، بقوله: إن “ميزة ما نحن فيه الآن أنه في المنطقة محور للمقاومة، جاد جدًا وصادق جدًا ومخلص جدًا، ومستعد لأعلى مستوى من التضحيات، وليس مستعدًا للتنازل أو الخضوع، وهدفه واضح هو تحرير فلسطين من البحر إلى النهر”.