الجيش و”أطرش” البقاع
صحيفة البناء اللبنانية ـ
محمد شمس الدين:
الإعترافات التي نقلت عن الموقوف لدى مخابرات الجيش اللبناني عمر الأطرش الملقب بـ«الشيخ» قد تشكل عنواناً للمرحلة الأخطر التي يواجهها لبنان في تاريخه ولم تماثلها خطورة أية مرحلة أخرى حتى تلك التي شهدت اشرس المواجهات مع العدو الصهيوني وما أدت إليه من خراب ودمار ودماء.
أن يعترف شخص يضع على رأسه «عمامة» لها رمزيتها بأعمال إرهابية أسفرت عن قتلى وجرحى، شيء في غاية الخطورة، لا سيما أن هناك حالة من الإنقسام بكل الإتجاهات تعمّ المنطقة وليس لبنان فقط وهو الذي يعيش على وقع الفتنة التي تقذف باتجاهه، مصحوبة برياح خليجية حارة بدأت طلائعها عبر السيارات المفخخة التي يوزعها الاطرش وأعوانه في منطاق لبنانية بعينها قبل أن تنتقل إلى باقي المناطق، إلا تلك التي «شطحت» باتجاه محمد شطح مستشار رئيس الحكومة السابق، كجزء من ممارسة الضغط بين الأميركيين والسعوديين الذين على ما يبدو وجدوا أنه لا يمكن لأحدهما أن يستغني عن الآخر وسط مبدأية أطراف محور الممانعة الذين لم يرضوا بالمساومة في أي من الملفات المطروحة الممهّدة لإعادة صياغة المنطقة وفق نظام محاصصة اعتبر الأميركيون قبل غيرهم أنهم بصدد وضعه وحجز الحصة الكبرى فيه.
انكشاف أمر الأطرش يعني أن الأمور قد تجاوزت الخطوط الحمر، ذلك ان التحرك الذي قام به من وصفوا بـ«العلماء» تزامناً مع توقيف أحدهم، يؤشر إلى حالة من العداء الشديد الذي يكنّه هؤلاء للجيش الذي يحاول أن يحفظ الأمن بكل ما أوتي من قوة بعيداً عن التسييس والطائفية والمذهبية التي يتهمه هؤلاء بها رافعين شعارات «مظلومية أهل السنة» وكأنهم أقلية في البلد والمنطقة، في حين أنهم يشكلون النسبة الأكبر في التوزيع المذهبي والطائفي على مساحة الأوطان. لكن ما يحصل حقيقة يعود إلى كون هؤلاء مجموعات متنافرة في كل بقاع المنطقة العربية، وأن المعركة القائمة تدور رحاها بين «أهل السنة» أنفسهم قبل أن تكون بين السنة والشيعة مثلما يصوّرها البعض.
اتجاهان قويان يتجاذبان المنطقة منذ قيام مشروع ما يعرف بـ«الربيع العربي». الأول يعبر عنه «الفكر الوهابي» الذي تقوده «مملكة الرمال»، والثاني يعبر عنه «الإخوان المسلمون» الذين اتفق على أن يتولوا إدارة الحكم في العالم العربي كوجه جديد بديل عن الأنظمة التي سقطت أخيراً وكان من المفترض أن تستكمل عملية إسقاط أخرى، كسورية مثلاً، إلا أن فشل التجربة منذ لحظتها الأولى جعل رياح «الإخوان» تنحسر بسرعة تاركةً آثاراً وخيمة على كل مكونات المجتمع العربي ومنه اللبناني المتنوع، والذي يتميز إضافة إلى ذلك بوجود قوى باتت رقماً صعباً في المعادلات الإقليمية وربما الدولية ما جعل من لبنان أرضاً خصبة لنمو ظواهر العنف المذهبي بأشكال عديدة، منها ما يحصل بين الدولة ممثلة بجيشها وتلك الجماعات التي ترتبط بأمراء متفرقين ومتنازعين مرتبطين بدورهم بمراكز قوى سياسية وأمنية استخباراتية تقود عمليات كبيرة لتحقيق أهداف بحجم التغيير المرتقب على مستوى المنطقة.
لا يخرج توقيف عمر الأطرش عن سياق ما يحصل في المنطقة بين «أهل السنة»، وهو ما قد يفرض على الدولة اللبنانية وجيشها خوض المواجهة مع قوى التطرف كجزء من مهمة ذلك الجيش في الدفاع عن البلد وحفظ أمنه من خلال «مكافحة الإرهاب» الأمر الذي سيعيد حكماً النظر بعمليات التسليح الموعودة التي عُبّر عنها بـ«الـمَكْرُمة» السعودية التي ولا شك بأنها تستهدف أمراً غير الذي يتصدى له الجيش، أو هو على مقربة من الدخول إلى عمقه وتحديداً في منطقة البقاع شرق لبنان حيث تتنامى تلك المجموعات بشكل مضطرد، ما يشكل خطراً كبيراً على الجيش ومكوّنات تلك المنطقة وتأثير ذلك على الدولة برمّتها.
تقول مصادر معنية إن إجراءات صارمة ستتخذ من أجل ضبط إيقاع اي تحرك يصب في خانة توتير الأوضاع على خلفيات مذهبية أو طائفية لا تبقي ولا تذر وهو ما لا يستطيعه أحد من القوى الفاعلة على الأرض سوى الجيش الذي يعتبر كل ما بقي من الدولة في لبنان وعنوان ديمومته.