الجناح العسكري لحزب الله هو الأساس
صحيفة صدى البلد اللبنانية ـ
د. هيثم مزاحم:
ما كان مفاجئاً قرار الاتحاد الأوروبي إدراج حزب الله في لائحته للمنظمات الإرهابية، فالقرار يبحث منذ أشهر طويلة وبعد إعلان بلغاريا عن اكتشافها صلة للحزب اللبناني بهجوم استهدف إسرائيليين في تموز 2012 في مدينة بورغاس والذي أسفر عن مقتل خمسة إسرائيليين ومواطن بلغاري.
لا شك أن القرار الأوروبي هو قرار سياسي لا يرتبط بهجوم بورغاس بل يتخذ الهجوم ذريعة، بخاصة أن التحقيقات البلغارية التي شاركت فيها الاستخبارات الإسرائيلية لم تنتهِ بعد، كما كانت هناك ضغوط إسرائيلية وأميركية على صوفيا كي توجه اتهامها لحزب الله بالمسؤولية عن الهجوم. والقرار هو رد على مشاركة حزب الله في القتال في سورية إلى جانب حكومة الرئيس بشار الأسد وضد المجموعات “التكفيرية والإرهابية”، وخصوصاً بعد انتصار الحزب في معركة القصير.
وقد أكد ذلك وزير الخارجية البلجيكي ديديه ريندرز قائلاً إن معاقبة حزب الله قضية مرتبطة قبل كل شيء بانخراطه في الحرب السورية “وليس فقط في قضيتي هجوم بورغاس والحكم القضائي في قبرص”. وأضاف: “إن الحزب منظمة تستخدم الكثير من العنف في سورية وغيرها من البلدان، لدرجة أنه أصبح من الصعب ألا نفعل شيئاً حول ذلك”.
ولعل الاتحاد الأوروبي الذي أعلن عن تردده في تقديم الدعم العسكري المعارضة المسلحة السورية يحاول بهذا القرار العقابي ضد حزب الله أن يرضي هذه المعارضة ورعاتها الخليجيين.
واللافت أن بعض الأوروبيين يرى أن اعتماد النموذج البريطاني في التفريق بين الجناح السياسي لحزب الله وجناحه العسكري، قد ينجح في دفع الجناح السياسي إلى حل جناحه العسكري لاحقاً، على غرار تعاطي بريطانيا مع “الجيش الجمهوري الإيرلندي”، بحيث أدرجت جناحه العسكري على قائمة الإرهاب مبقية التواصل مع جناحه السياسي “شين فين”، وبعد مفاوضات طويلة أفضت إلى تسوية سياسية لمشكلة إيرلندا الشمالية، قبل الجناح العسكري التخلي عن سلاحه.
لا ريب أن تجربة “الجيش الجمهوري الإيرلندي” و”الشين فين” في إيرلندا الشمالية تختلف عن تجربة حزب الله وتنظيمه العسكري وبالتالي لا يمكن تطبيقها على الحزب اللبناني الذي نشأ من رحم “المقاومة الإسلامية” للاحتلال الإسرائيلي، وهو إن كان حزباً سياسياً يتمتع بتأييد شعبي واسع وبتمثيل برلماني وحكومي وازن، إلا أن المقاومة هي جوهر الحزب، خصوصاً وأن هناك أراضي لبنانية لا تزال تحتلها إسرائيل من مزارع شبعا وتلال كفرشوبا وقرية الغجر، فضلاً عن عدم حل مشكلة اللاجئين الفلسطينيين في لبنان، وضرورة وجود مقاومة مسلحة كي تردع وتواجه أي عدوان إسرائيلي في المستقبل، وذلك حسب تبريرات الحزب لاستمرار احتفاظه بسلاحه وبتنظيمه العسكري.
ومعلوم أن موضوع سلاح حزب الله وتنظيمه العسكري قضية لبنانية شائكة استعصى حلها على جلسات مؤتمر الحوار اللبناني التي فشلت في التوصل إلى استراتيجية دفاعية للبنان تكون المقاومة أحد أعمدتها، وإذا كانت أميركا وإسرائيل قد فشلتا خلال 33 يوماً من حرب تموز 2006 في القضاء على حزب الله وإخضاعه، فهل سينجح قرار أوروبي هش بالقيام بذلك؟.
يعتبر حزب الله أنه غير معني بقرار مجلس الأمن الدولي رقم 1559 والذي يدعو إلى حل الميليشيات العسكرية في لبنان، لأنه مقاومة وطنية شرعية تحظى بغطاء دستوري في اتفاق الطائف وبغطاء حكومي وبرلماني في بيانات الحكومات المتلاحقة منذ العام 1990 التي تخصص بنداً لحق المقاومة في مواصلة عملها العسكري لتحرير الأراضي اللبنانية المحتلة.
وقد فشلت المساعي الدولية والغربية وجهود بعض الأطراف اللبنانيين مند الانسحاب الإسرائيلي من جنوب لبنان في أيار 2000، في إقناع قيادة حزب الله بحل الجناح العسكري وتسليم سلاحه والتحول الطوعي الى حزب سياسي مدني بالكامل، لأن الحزب يرى أن ذلك يهدف إلى ضمان أمن الحدود الشمالية لـ”إسرائيل”، وإخراج لبنان من معادلة الصراع العربي – الإسرائيلي وفصل المسارين اللبناني والسوري والاستفراد بالفلسطينيين، وتوطين اللاجئين الفلسطينيين في لبنان. ويرى الكثير من المراقبين عدم إمكان فصل لبنان عن الصراع العربي – الإسرائيلي قبل التوصل الى تسوية شاملة يتم فيها حل القضية الفلسطينية، وخصوصاً مشكلة اللاجئين، وتحرير الجولان السوري ومزارع شبعا وتلال كفرشوبا التي تحتلها إسرائيل.
وعليه، فإن حزب الله يعتقد أن قوته في جناحه العسكري وفي سلاحه الاستراتيجي الرادع، وأن إسرائيل تحسب له حساباً بسبب سلاحه وصواريخه التي تهدد مدنها ومستوطناتها، ويفهم حقيقة أن المبادرات الأوروبية والدولية للحوار معه خلال السنوات الماضية كان سببها قوته العسكرية فضلاً عن قاعدته الشعبية، فكيف يمكن إذاً إقناع قيادة هذا الحزب بالتخلي عن قوته وتسليم سلاحه والانكشاف أمام أعدائه الدوليين والإقليميين والمحليين؟. ومن يضمن لهذا الحزب واللبنانيين عدم تكرار إسرائيل لاعتداءاتها واجتياحاتها واحتلالها للبنان بعد حل تنظيم المقاومة العسكري ونزع سلاحها.
ويرى مؤيدو حزب الله أن الحرب في سورية والتغيرات في المعادلة الإقليمية أكدتا لهم صوابية قراره بعدم حل جناحه العسكري الذي يلعب اليوم دوراً محورياً في مواجهة “جبهة النصرة” والمجموعات الأصولية المتشددة الأخرى.