الجميلة المغرية
موقع إنباء الإخباري ـ
سوسن رمال:
جميلة هي في مظهرها، تقبع في مكانها دون حراك، وترمي من موقعها شباكا قوية لتصطاد من يستحقها.
مكانتها رفيعة وعالية، ما يجعلها مطمعا للكثيرين، فالكل يرغب بالوصول إليها لإثبات قدراته ومكانته. فهي ـ كامرأة في غاية الجمال واﻹغراء ـ في كل حركة أو همسة منها تحرق الطامعين بها وما أكثرهم!.إﻻ أنها لشدة غرورها تضع مواصفات معينة لمن يسعى للوصول إليها. فهي أوﻻً طائفية، ﻻ ترضى سوى بشخص من طائفة معينة، كما أنها تحب التغيير فلا تطيق البقاء مع شخص ﻷكثر من ست سنوات، إﻻ إذا كان فعلاً أهلاً لها.
وها هي السنوات الست قد انتهت، وبدأ الطامعون بعرض العضلات. فكل واحد يريد أن يبرز قوته لينال إعجابها كي يحصل على شرف القرب المرجو منها.
هم يرون فيها الكمال والقوة، فمن يتمكن من الوصول إليها يستطيع أن يحكم بلداً وشعبا بأكمله.
وبدأت المبارزة، إﻻ أن بعض المتبارزين لشدة حماستهم أو غبائهم أو حتى لشدة وقاحتهم نسوا أن هكذا مقام رفيع ﻻ بد لمن يناله أن يتصف بالشهامة والوفاء والمصداقية إلى حد كبير، وأن يكون واثق الخطى وصارما وجادا ومستقلاً في قراراته، على اﻷقل ليتمكن من حمايتها ومن تحمل المسؤوليات التي ستلقى على عاتقه لمجرد وصوله إليها.
وبدأ المتبارزون بالكشف عن وجوههم وبطرح سيرهم الذاتية لكي تتعرف عليهم جيداً وعن كثب لكي تتمكن من اختيار الشخص المناسب لها، وإذ بها تصدم باسم رجل عُرف بإجرامه وحقده على من سواه. فباتت في حيرة من أمرها، ماذا عساها تفعل أمام هكذا شخص سوى الرفض بحزم؟ ﻷن هكذا إنسان ـ مما ﻻ شك فيه ـ ليس أهلاً لها وﻻ يستحق أن يتقرب منها ولو قيد أنملة. فشخص مثله غرق في بحر من دماء ضحاياه ليس أهلاً لحمايتها، ومن السهل عليه أن يخونها أو يسلّمها إلى اﻷعداء بكل بساطة، وماضيه يشهد بهذا اﻷمر، حيث أنه له تجارب في الخيانة لن ينساها التاريخ يوما. فهو كان سبباً مباشراً لقتل العشرات، ﻻ بل المئات من الضحايا اﻷبرياء، إضافة إلى ضحايا أخر ذوي مكانة رفيعة في البلد، فقط لكي ينال رضا العدو. إﻻ أنه لشدة وقاحته أو إستخفافه في البلد وقيمته أصر على التقرب منها. وما كان منه إﻻ أن قدم لها سيرة ذاتية مزيفة مكتوبة بدماء ضحاياه ودموع من ظلمهم.
وبدأت المشاورات وجلسات التحكيم ليتم اﻹختيار. وهنا كانت المفاجأة له، إذ أنه فوجئ بوجود بعض القليل من ضحاياه ينتظرونه في جلسة التحكيم، وإن لم يتمكنوا من الحضور بأجسادهم، إﻻ أنهم حضروا بأسمائهم، عن طريق أشخاص يشعرون حقا بالغيرة على تلك الجميلة المرغوب بها، ليذكّروه بمدى وقاحته وبأنه ليس أهلاً لها ولحمايتها. ولكن شخصا مثله، غارقا بجرائمه، ﻻ يرفّ له جفن حتى بوجود الضحايا حتى ولو اجتمعوا كلهم في الجلسة. فبدا كأفعى تخرج من تحت الأرض، تنفض عنها التراب لتعود وتتبختر أمام اﻵخرين، حاملة بداخلها سموما قاتلة، ويقول بفخر على لسان شريكة له في اﻹجرام والوقاحة أنه يفخر بأنه لم يجد له منافساً في أول جلسة تحكيم، وبدا وكأن ثقته بالفوز قد زادت عن السابق.
هذه سخرية القدر بحد ذاتها أن تجد شخصا مثله يطلب أمراً مباركاً ومقدساً لدى الكثيرين، وهو ليس أهلاً له ويعرف تماما هذا اﻷمر، إﻻ أن غروره يمنعه من اﻹعتراف. كما أنه يجد من يسانده في مسيرته هذه ليتمكن من غصب ما ليس له.
وكأن هذا المنصب الرفيع كتب عليه الشقاء والمذلة!! فما أن يتحرر من حاكم خشبي حتى يقع تحت رحمة مجرم سفاح ﻻ حد ﻹجرامه.
فصبرا صبرا أيها الكرسي الرفيع، فلا بد لك من منقذ قد يصل في اللحظة المناسبة لينقذك مما أنت فيه، ويحول بكل قوته على أن ﻻ يوصلك إلى انياب ذلك المفترس اللعين. فبلد روي ترابه بدماء الشهداء من المستحيل أن يحكمه غير الرجال الشرفاء.