الجلاء في ذكراه.. ثمرة المقاومة الوطنية
صحيفة البعث السورية-
د. معن منيف سليمان:
يصادف اليوم، السابع عشر من نيسان، الذكرى الثامنة والسبعين على إعلان جلاء آخر جندي فرنسي عن الأراضي السورية، بعد أكثر من ربع قرن على الاحتلال الفرنسي لسورية، حيث خرج المحتل يجرّ أذيال الخيبة والخذلان بفعل المقاومة الشعبية المسلّحة والنضال الوطني السياسي على مساحة الوطن، حيث تمّ ترسيخ خيار المقاومة ضدّ المحتل من أجل التحرير والاستقلال.
أراد المحتلّ الفرنسي احتلال سورية من أجل غايات استعمارية تهدف إلى نهب خيرات البلاد والتحكّم برقاب أبنائها، ولكن ومنذ اللحظة الأولى التي وطأت فيها أقدام جنوده أرض الوطن، واجهت قوّاته مقاومة عنيفة بداية بقيادة الشيخ صالح العلي في الساحل السوري على مدار أربع سنوات (1918 ـ 1922).
وتجلّت الوحدة الوطنية في أبهى صورها، عندما استشعر أبناء الوطن خطر الاحتلال على سلامة الأرض والعرض، ما استنهض عزيمة السوريين في جميع المناطق فهبّ الجميع لمقاومة المحتلّ للدفاع عن وحدة الوطن من الانقسام والفرقة.
وخاض السوريون حرب عصابات ضدّ قوّات المحتلّ في الساحل والشمال والجنوب ودمشق والمنطقة الوسطى والشرقية، وألحقوا بها خسائر فادحة في الأرواح والعتاد، وتمكّن المجاهدون بقيادة الشيخ صالح العلي وإبراهيم هنانو وحسن الخراط ومحمد العياش وسلطان باشا الأطرش من توحيد كلمة المقاومة المسلّحة ضدّ المحتل، ثم جاءت معركة ميسلون الفاصلة التي استشهد فيها وزير الحربية السوري آنذاك البطل يوسف العظمة في 24 تموز عام 1920، حيث حسمت المعركة لصالح المحتل بسبب الفارق الكبير والتفوّق في العدد والعتاد، ومن ثم دخلت القوّات الغازية دمشق بعد معركة ملحميّة سطّرت فيها أنصع صور البطولة والفداء والتضحية بالنفس من أجل الدفاع عن الوطن، ورسّخت خلالها دور مؤسّسة الجيش في ضمان التصدّي للمحتل.
وما كاد المحتل يوطّد وجوده في سورية حتى اشتعلت الثورات وعمّت جميع أرجاء الوطن، وأعلنت الثورة السورية الكبرى بالسويداء في 21 تموز عام 1925، ضدّ الاحتلال الفرنسي، وتمكّن المجاهدون من إلحاق خسائر فادحة بالفرنسيين.
واكتملت دائرة الثورات ضدّ الفرنسيين في دمشق وتمكّن المجاهدون من السيطرة على مقرّ المندوب السامي الفرنسي في قصر العظم، واشتعلت الثورة في دير الزور بقيادة محمد العياش، حيث وجّه المجاهدون ضرباتٍ موجعة لقوّات الاحتلال، وفي المنطقة الوسطى تمكّن المجاهدون بقيادة فوزي القاوقجي عام 1925، بمساعدة قبائل البادية من تحقيق انتصارات مهمّة على القوات الفرنسية وحامياتها وأنزلوا بها خسائر كبيرة.
وبعد ذلك انتقل النضال في سبيل التحرّر والاستقلال إلى مرحلة النضال السياسي، وعلى الرّغم من أنّ المحتلّ كان حريصاً على بقاء جيشه في سورية وجعلها مستعمرة فرنسية، مستخدماً في ذلك كل الأساليب الوحشية التي راح ضحيتها الأطفال والنساء والشيوخ، لكن السوريين أصرّوا على مطلبهم في الاستقلال، وبرز في النضال السياسي حينذاك فارس الخوري الذي كان له دور كبير بتسريع خروج الفرنسيين من سورية.
واستمرّت المقاومة النضالية التي لم تتوقّف، حتّى تتوّج هذا النضال الوطني المستمرّ باستقلال سورية وجلاء آخر جندي محتل عن أراضيها في 17 نيسان عام 1946، وإعلانها دولة مستقلة بشكل كامل.
لقد مثّل يوم الجلاء يوماً وطنياً لجميع السوريين يحتفلون به من كل سنة، ويستلهمون منه العبر في النضال والمقاومة ضدّ المحتل، وأنّ المعركة من أجل الكرامة والاستقلال واحدة، وأن الجلاء لم يأتِ بفعل التطبيع والمفاوضات العبثية مع المحتل، وإنما كان بفضل المقاومة والنضال المستمرّ والتضحيات العظيمة، حيث مكّنت المقاومة من الانتصار على الاحتلال وطرده كما ستطرد المحتل من الجولان والشمال السوري عمّا قريب.