الجعفري: هناك دول تسعى لإعادة الاتصال وتنسيق التعاون الأمني مع سوريا
اشار مندوب سوريا في الامم المتحدة بشار الجعفري إلى أن الانتخابات الرئاسية هي استحقاق وطني سوري يندرج ضمن إطار السيادة السورية، وبالتالي ضمن هذا المنظور الدستوري السيادي، فإنه لا يحق لأيّ دولة أو هيئة إقليمية أو دولية التدخّل فيه. حاولت أطراف دولية عدّة كانت تراهن على الدفع باتجاه تطبيق نظرية “الفوضى الخلاقة”، وعرقلة هذا الاستحقاق”.
واوضح في حديث لـ”البناء” إن موقع سوريا الجيوبوليتيكي وضعها دوماً في مواجهة تحدّيات جسيمة، وإن ما تتعرّض له سوريا اليوم له بعد داخلي، إلا أن هذا البعد محدود جداً إذا ما قورن ببعد الأزمة إقليمياً ودولياً. إذ لا تزال بعض الدول النافذة المعروفة مكابِرةً في نهجها المعادي لسوريا الذي يخدم مشاريعها الرامية إلى الهيمنة وخدمة مصالح حليفتها إسرائيل في المنطقة، مستخدمةً في سبيل تحقيق ذلك كلّ الأدوات الإقليمية المتاحة. ويتجلّى هذا السلوك المعادي، المغلّف بقناع “الحرص على الشعب السوري”، بدعم الإرهاب الذي يعاني منه السوريون، والذي أضرّ كثيراً بممتلكاتهم وبالمنجزات التنموية والبنى التحتية التي أرساها الشعب السوري على مدى عقود طويلة من الزمن منذ عهد الاستقلال. وكذلك من خلال فرض التدابير القسرية أحادية الجانب التي ألقت بظلالها وآثارها السلبية على الاقتصاد الوطني، وعلى وضع السوريين المعيشي وقدرتهم على تأمين متطلبات حياتهم اليومية كالغذاء والدواء والمازوت، والمتاجرة بالوضع الإنساني للشعب السوري من خلال عقد مؤتمرات دعائية استعراضية لما يسمى بـ”المانحين”، تعلن خلالها بعض الدول، المنغمسة أساساً في تصدير الإرهابيين إلى سوريا وتمويلهم وتسليحهم وتدريبهم والتغطية على أنشطتهم الإجرامية إعلامياً، تعهّدات ومساعدات للشعب السوري لا تفي إلا بجزء ضئيل منها. بالمقابل، فإن بعض الدول أصبحت تدرك الأخطاء التي ارتكبتها في التعامل الدولي مع الأزمة السورية، ووجود جماعات إرهابية مرتبطة بتنظيم القاعدة تسعى إلى زعزعة استقرار سوريا وتهديد نسيجها الاجتماعي الوطني الذي تميزت به دائماً، والذي يشكل فخراً واعتزازاً بالنسبة إلينا. بدأت هذه الدول تراجع مواقفها إزاء الوضع في سوريا، وتسعى إلى إعادة فتح قنوات الاتصال الدبلوماسي وتنسيق التعاون الأمني، خصوصاً مع تزايد ظاهرة الإرهابيين عابري الحدود أو ما اتفق على تسميته بـ”المقاتلين الإرهابيين الأجانب” والتهديد الذي يمثله هؤلاء على الدول كافة، بما فيها دول المصدر والعبور والمقصد”.
ولفت الجعفري إلى أن بعض الدول الغربية تحاول، ومن يدور في فلكها، استخدام تسمية “المقاتلون الأجانب” أو “المناضلون” أو “المتمرّدون” أو “الجهاديون” بغية تفادي الاعتراف بالطابع الإرهابي لهؤلاء. وقد نحت الأمانة العامة للأمم المتحدة، للأسف، على هذا النحو أيضاً إذ دأب أمين عام الأمم المتحدة في تقاريره وتصريحاته على اعتبار تنظيمات إرهابية مرتبطة بتنظيم القاعدة ومدرجة على لوائح الأمم المتحدة للتنظيمات الإرهابية، كتنظيم “الدولة الإسلامية” و”جبهة النصرة”، بأنها “معارضة سورية مسلحة”، لا بل أن الأمين العام قال في تقريره الأخير الخاص بتطبيق القرار 2139 إنّ الأمم المتحدة عاجزة عن تقديم معلومات موثّقة عن وجود إرهابيين غير سوريين ينشطون على الأرض السورية. وهذا يبرز حجم المغالطات وتجاهل الحقائق التي نقلناها في أكثر من خمسمئة رسالة رسمية إلى أمين عام الأمم المتحدة ورؤساء مجلس الأمن المتعاقبين، كما يبرز تجاهل الأمانة للتقارير الموثقة والتصريحات الرسمية الصادرة عن وزراء خارجية وداخلية عددٍ من الدول في أوروبا وأستراليا والولايات المتحدة الأميركية وكندا وتونس والمغرب وتركيا ومشيخات الخليج وغيرها من الدول حول ظاهرة المقاتلين الإرهابيين الأجانب الذين قدموا إلى سوريا. وبالطبع فإن هؤلاء لم يسقطوا من السماء، بل استقدمتهم ودرّبتهم وموّلتهم وسلّحتهم وسهّلت تسلّلهم عبر حدودنا المشتركة مع الدول المجاورة، كلّ من تركيا والسعودية وقطر وإسرائيل برعاية غربية مباشرة. هذه المسألة لم تعد خافية على أحد، وقد بدأت هذه الدول بدفع ثمن ممارساتها الداعمة للإرهاب في سوريا، ونحن نتابع العمل من خلال الأمم المتحدة لمساءلتها على ما قامت به من انتهاكات للقانون الدولي والصكوك الدولية الخاصة بمكافحة الإرهاب وإلزامها التعويض للشعب السوري عمّا ألحقته به من أضرار. ولدينا الآن أرشيف متكامل لكافة الجرائم التي ارتكبت فوق الأراضي السورية والأضرار التي نجمت عنها”.
واعتبر ان “الموقف الروسي تجاه الازمة السورية تميّز باستمرار بالحكمة والثبات، الأمر الذي حدا بالغرب لمحاولة الضغط على روسيا في أوكرانيا. الإ أننا على ثقة بأن الموقف الروسي لن يرضخ لأيّ ضغوط، وسيحافظ على موقفه المستند إلى مبادئ القانون الدولي والمواثيق الدولية الناظمة للعلاقات بين الدول، وازداد هذا الموقف صلابة في ضوء تعبير الشعب السوري العظيم عن إرادته خلال الانتخابات الرئاسية الأخيرة”.
ولفت الى ان “الأزمة السورية كشفت مدى هشاشة الأمم المتحدة وعمق هيمنة دول معدودة عليها، وقد تجلّى ذلك، كما أسلفت، في التقارير والتصريحات الصادرة عن كبار موظفي هذه المنظمة الدولية، الذين يفترض بهم الحفاظ على مصالح الدول الأعضاء الـ193، لا خدمة مصالح حفنة من الدول النافذة أو أجندات دولهم هم”. اضاف “بالطبع نحن لا نعوّل على دور الأمم المتحدة في إنهاء الأزمة السورية، إنما نعوّل على وعي الشعب السوري وحرص الأطراف السورية في الحكومة والمعارضة الوطنية على إعادة الأمن والاستقرار إلى ربوع وطننا والشروع في عملية إعادة البناء على نحو يتلافى أخطاء الماضي ويعيد لسوريا دورها الأساسي على الساحتين الإقليمية والدولية. أما دور الأمم المتحدة فهو دور مكمّل ومساعد لدور الشعب السوري الأساس”.
في ما يتعلق بعملية جنيف، لفت الى ان الحكومة السورية انخرطت فيها انطلاقاً من حرصها على الحل السياسي للأزمة وبعد التنسيق مع الجانب الروسي الصديق. لم يكن لدينا أوهام بأن مؤتمر “جنيف 2” سيحقق الحل الذي ينشده السوريون لأسباب عدّة تتمثل في مواقف الدول التي تدّعي زيفاً صداقة الشعب السوري، وتعمل على إطالة أمد الأزمة. المواقف والتصريحات غير البنّاءة للمبعوث الأممي الأخضر الإبراهيمي التي تتعارض مع مهمة الوساطة المكلّف بها، حرمان المعارضة الوطنية ومعارضة الداخل من المشاركة في اجتماع “جنيف 2″، وافتقار المعارضة الخارجية الممثلة بما يسمى “الائتلاف” أي شرعية وطنية أو قاعدة شعبية أو سلطة على الجماعات الإرهابية المسلحة التي تنشط في سوريا بما فيها تلك الكيانات الإرهابية المرتبطة بتنظيم القاعدة، علاوة على أن احتكار “الائتلاف” الصفة التمثيلية لأطياف المعارضة السورية كان مخالفاً لأحكام بيان “جنيف 1” الذي كان قد تمّ التوصل إليه بتاريخ 30 حزيران 2012، وبالتالي فإن هذا العيب البنيوي في التمثيل كان أحد أسباب عدم وصول عملية الحوار في “جنيف 2″ إلى أيّ نتيجة ملموسة”. وعلى رغم كل ذلك، انخرطت الحكومة السورية في مفاوضات “جنيف 2″ التي أبرزت هيمنة دول غربية وعربية على ممثلي ما يسمى بـ”الائتلاف” ورضوخهم لمطالب هذه الدول وسياساتها التي لا تريد الخير لسوريا ولا لشعبها.