الجزائر والرؤية الإستراتيجية الثنائية مع روسيا
موقع إنباء الإخباري ـ
عبد القادر خليل*:
منذ عشرات السنين، ومروراً بدراستي الجامعية في الاتحاد السوفييتي، حاولت وجَهدّتُ إلى أن أكون مُنغمساً في قضايا وشؤون وشجون شعوبه، ذلك أن هذه الدولة الصديقة والكُبرى مساحةً وسكاناً وأهميةً وموقعاً إستراتيجياً دولياً وقارّياً، وليس أخيراً الغنية بموارها وشعبها وتاريخها وعلاقاتها مع الأُمة العربية منذ فجر التاريخ، مؤهلة تماماً للعودة من جديد الى مسرح السياسة العربية، والعمل معنا وإلى جانبنا لصياغة رؤية جديدة لعالم اليوم والغد، تكون في صالح جميعنا: العرب والمسلمين وروسيا.
وها قد مرّت السنين، وانبثقت فجأة بمبادرة مهمة من جانب الرئيس الحليف فلاديمير بوتين، (مجموعة الرؤية الإستراتيجية “روسيا – العالم الإسلامي”)، والتي تشمل بإهتماماتها عالمين كبيرين، العربي والاسلامي، يعيشان في قارتين هما آسيا وأفريقيا، وتمتد المجموعات اللغوية والعرقية لدول هذين العالمين الى كل دول وقارات العالم تقريباً، بضمنهم المُستقرون فيها منذ قديم الأزمان، واللاجئون والدارسون، ولكن في مقدمتهم العُلماء والبحّاثة والمُكتشفون الذين غادروا أوطانهم للبحث عن أرضية مناسبة لجعل علومهم وابتكاراتهم، محط اهتمام دولي وإفادة للبشرية جمعاء، دون تمييز عنصر على آخر وقومية على أخرى.
لكن والحق يُقال، أن روسيا، ومنذ الحقبة القيصرية والى السوفييتية وروسيا الحالية، كانت السبّاقة الى دعم ومساندة الرؤى العربية، من خلال الجمعية الامبرطورية الأًورثوذكسية الفلسطينية الروسية، التي أقامت المدارس في بلاد الشام، وأوفدت أفضل المتعلمين العرب فيها الى جامعات روسيا للدراسة العليا مجاناً، ومنحتهم محبتها ورعايتها وعلومها، فكان أن نسج هؤلاء العديد من رواياتهم ومخطوطاتهم ورؤيتهم الجمعية لمستقبل العرب والروس، وليس في أول هؤلاء ولا في آخرهم العالِمة الفلسطينية الناشطة (من مدينة الناصرة)، المرحومة كلثوم عودة فاسيليفا، التي كانت أول إمرأة تشغل مركز “عضو في جمعية العلاقات الثقافية السوفييتية مع البلدان العربية”.
ونقرأ في المراجع، أن الأُستاذة كلثوم آمنت بأن الأدب هو الطريق إلى القلوب الإنسانية، وابتدأت بتعريب الأدب السوفييتي إلى لغة الضاد، قبل نهاية (الحرب الوطنية العظمى للشعب السوفييتي) – الحرب العالمية الثانية، ثم أخذت بتعريب الأدب العربي إلى الروسية، وساهمت بالتالي مساهمة كبرى لا تثمّن في التجسير الحضاري بين روسيا والعالم العربي، وتعريف الروس بالعرب.
مُنحت الرائدة كلثوم وسام الشرف السوفييتي في عيدها السبعين. وتقلّدت وسام “الصداقة بين الشعوب”، وهو أرفع وسام تمنحه السلطات السوفييتية أنذاك لشخصيات تكرّس علاقات الصداقة الجادة ما بين الشعب السوفييتي والشعوب الأخرى، ومنحتها منظمة التحرير الفلسطينية، بعد وفاتها، “وسام القدس للثقافة والفنون والآداب”، في كانون الثاني/ يناير سنة 1990، تقديراً لدورها الثقافي والسياسي في روسيا الصديقة. وتوفيت العالِمة كلثوم في 24 نيسان 1965، وحضرت جنازتها أعداد كبيرة من الأساتذة والعلماء والطلاب والفلاحين أيضاً، إذ كان الشعب السوفييتي بقومياته كلها يحبّها ويجلّها، كما حضرها وزراء ومسؤولون سوفييت كبار كانوا مِن طلاّبها، ودُفنت في مقبرة الأدباء والعُلماء بالقرب من موسكو، ويَبقى قبرها للآن مَحجّاً لعظماء اللغة والأُدباء والترجمة والتحضّر والثقافة العرب والروس، وقوميات روسيا المختلفة، اعترافاً بأعمالها وإنجازاتها الجليلة لخدمة الانسانية برمتها.
واليوم، وبعد سنوات طويلة من وفاة عالِمتنا العربية الفلسطينية الروسية التي جمعت عالمين في ذاتها وعقلها، وبمبادرة رئاسية بوتينية روسية جليلة، تشكّلت مجموعة الرؤية الإستراتيجية “روسيا – العالم الإسلامي”، في العام 2006، بإشراف يفغيني .م. بريماكوف، و مينتيمير شايمييف، بعدما انضم الاتحاد الروسي إلى “منظمة التعاون الإسلامي” كعضو مراقب. وشرعت المجموعة ومنذ ذلك التاريخ الى وضع برامج وتفعيل أنشطتها في موسكو، قازان، إسطنبول، جدّة والكويت وغيرها من مدن روسيا والعالم العربي، وفي كل نشاط كان الرئيس الروسي فلاديمير فلاديميروفيتش بوتين يرسل تحياته إلى لقاءات المجموعة، ويَشد من أزرها في سبيل تميّزها في علاقات روسيا العربية والاسلامية، إذ ولتواصل دعم الرئيس بوتين للمجموعة، فقد أضحت المجموعة بارزة في عالم اليوم، ويُشارك في لقاءاتها شخصيات حكومية واجتماعية كثيرة، من عشرات بلدان العالم، يبحثون في لقاءاتهم خلالها، القضايا الحادة والملحة في العلاقات الدولية، والوضع في “الشرق الأوسط”، وقضايا اخرى كثيرة ومتشعبة العناوين.
وقد خاضت المجموعة في نقلات عديدة، كان آخرها في العام 2014، حين اتخذ الرئيس بوتين قراراً بتجديد نشاط المجموعة، ووضع مهام هذه الجمعية ومسؤولية إدارة أعمالها على عاتق رئيس جمهورية تاتارستان “ر. مينيخانوف”، الذي أصبح أميناً للمجموعة، أما رئيسها الفخري يَفغيني بريماكوف فبقي في منصبه حتى وفاته، وغدا منسّق أعمال المجموعة – وكان منذ تأسيسها – السفير ف. بوبوف، الذي يشغل منصب مدير “مركز تحالف الحضارات – ميغيمو” لدى وزارة الخارجية الروسية.
ومن المفيد التنويه، الى أن في المرحلة الحالية يتم التركيز في عمل المجموعة على وضع دراسة تامة لمتابعة العمل بحيوية وفعالية لتدعيم وتقوية التعاون طويل الأمد مابين روسيا الاتحادية والدول الإسلامية وبضمنها العربية، وتنسيق المشاريع المشتركة في النضال ضد الإرهاب الدولي، على أسس واقعية وذات أبعاد إستراتيجية للشراكة الفعّالة بين الاتحاد الروسي والعالم الإسلامي. ومن أجل تحقيق هذه الأهداف تمت دراسة الخطوات العملية لترجمة المخطوطات والكتب بصورة سريعة من اللغة الروسية إلى اللغة العربية، الفارسية، التركية وغيرها. كذلك العمل على ترجمة الكتب العربية، والمخطوطات القيّمة والمهمة من الدول الإسلامية إلى اللغة الروسية.
يَحدونا الأمل والعَمل الآن وكل آوان، لتجسيد أفكار هذه المجموعة لِما لها من أهمية قصوى في عالم اليوم والغد، ومن أجل التقارب العربي الروسي، عودةً الى تنشيط الأعمال بين العالمين في التعليم والثقافة، الفنون واللغة، والتبادلات المادية والروحية على اختلافها، ويقينا بأن هذه المجموعة تؤكد بوجودها وعملها على مبادىء التعايش السلمي بين الشعوب، وبخاصة مابين روسيا ووطني الجزائر والبلدان العربية الشقيقة عموماً، وتطوير الأعمال والأفعال الإيجابية والأنفع وضمن المعادلة الأمثل “رابح – رابح”.
…
#عبدالقادر_خليل: إعلامي وخريج الاتحاد #السوفييتي، ويتحدث بالروسية ويكتب عن روسيا، وناشط صداقة دولي ورئيس الفرع الجزائري لرابطة القلميين العرب حُلفاء #روسيا.
مقالة لافتة للاخ الاستاذ الصحافي والكاتب عبد القادر خليل من الجزائر الشقيقة يتناول فيها مواقف روسيا تجاه وطنه الجزائر، ويتحدث ايضا عن مجموعة الرؤية الاستراتيجية (روسيا – العالم الإسلامي) التي تقوم بعمل مهم لتعزيز الروابط الروسية العربية.. ننتظر المزيد من مقالات مشابهة اخي خليل..
مقال جميل استاذ عبد القادر وارجو لكم وللجزائر الحبيبة الخير والنجاح مع الحلفاء .