التكفيريون: أهم أغيَر من الله على دينه؟!
موقع إنباء الإخباري ـ
د. شاكر شبّير:
سورة المائدة نزلت سورة مدنية، بل ونزلت متأخرة أي أنها تجبّ أو تنسخ كما يقول الفقهاء ما قبلها.
من البدء وقبل أن يُطرح اي موضوع تبدأ السورة بتقرير ما يريده الله تعالى من سلوك المسلمين تجاه أهل الكتاب من المسيحيين واليهود.
حرمت عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهلّ لغير الله به والمنخنقة والموقوذة والمتردية والنطيحة وما أكل السبع إلا ما ذكيتم وما ذبح على النصب وأن تستقسموا بالأزلام ذلكم فسق اليوم يئس الذين كفروا من دينكم فلا تخشوهم واخشون اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا فمن اضطر في مخمصة غير متجانف لإثم فإن الله غفور رحيم.
فبعد أن يحرم عليهم ما تم تحريمة بما يشمل ما أهل لغير الله به، تعرج الآية إلى الحلال، فيقرره. وبتقريره هذا الحلال، يقرر أنه ليس مشمولا فيما حرم. “اليوم أحل لكم الطيبات وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم وطعامكم حل لهم والمحصنات من المؤمنات والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم إذا آتيتموهن أجورهن محصنين غير مسافحين ولا متخذي أخدان ومن يكفر بالإيمان فقد حبط عمله وهو في الآخرة من الخاسرين”. وهكذا يكون طعام أهل الكتاب وبصورة صريحة غير مشمول بالتحريم الوارد في قضية “وما أهل لغير الله به”. وهكذا يتقرر سلوك المسلمين نحو أهل الكتاب.
ويعد أن يتقرر شكل العلاقة مع أهل الكتاب يتناول قضية النصارى لهدايتهم، وهو فيقول الله تعالى: “لقد كفر الذين قالوا إن الله هو المسيح ابن مريم”، “لقد كفر الذين قالوا إن الله ثالث ثلاثة وما من إله إلا إله واحد”. فهل يجوز أن ننعت النصارى بالكفر؟ وبالتالي عدم أكل ذبيحتهم لإدراجها في “وما أهل لغير الله به” وعدم الزواج منهم “لأنهم كفار”، في ظل أن هذه العلاقة قد تقررت سلفا وقبل بدء مناقشة هذه القضية؟!
هذا الخطاب موجه إلى النصارى أساسا، ليبين لهم أن ما يقومون به هو كفر ويطرح عليهم حقيقة الأمر. “لقد كفر الذين قالوا إن الله هو المسيح ابن مريم” ثم يستتبعه بسؤالهم سؤال تحدي: “قل فمن يملك من الله شيئا إن أراد أن يهلك المسيح ابن مريم وأمه ومن في الأرض جميعا ولله ملك السماوات والأرض وما بينهما يخلق ما يشاء والله على كل شيء قدير”، وفي آية أخرى يستتبع بقول الحقيقة لهم: “وقال المسيح يا بني إسرائيل اعبدوا الله ربي وربكم إنه من يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة ومأواه النار وما للظالمين من أنصار”. كما يقرر لهم أن التثليث وهو أن الله ثالت ثلاثة هو أيضا كفر؛ “لقد كفر الذين قالوا إن الله ثالث ثلاثة”، ثم يقرر لهم الحقيقة والتي أتى بها كافة الأنبياء حتى المسيح وهي التوحيد: “وما من إله إلا إله واحد”. وهي أيضا حقيقة تاريخية لمن أراد أن يتحقق؛ فالتثليث أتي استنتاجاته من رسائل القديس بولس، بل وتم إقراره بعد انتقال المسيح عليه السلام إلى الرفيق الأعلى بأكثر من ثلاثة قرون. فقد تم إقراره في مجمع نيقية (المتواجدة حاليا بالقرب من استنبول). بل إن النسطورية (مدرسة الرها) ما زالت تؤمن بأن مريم عليها السلام أنجبت إنسانا، وليس إلها. ثم ينذرهم بالعواقب: “وإن لم ينتهوا عما يقولون ليمسن الذين كفروا منهم عذاب أليم”. ثم يسألهم التعقل فيما يقومون به: “أفلا يتوبون إلى الله ويستغفرونه والله غفور رحيم”، ثم يخبرهم بحقيقة المسيح عليه السلام وببشريته فهو يأكل الطعام ومن يأكل يقوم باستقلاب الطعام ويخرج الغائط، “ما المسيح ابن مريم إلا رسول قد خلت من قبله الرسل وأمه صديقة كانا يأكلان الطعام انظر كيف نبين لهم الآيات ثم انظر أنى يؤفكون”!
وكل هذا استكمالا لما في سورة آل عمران حيث يختم بالسؤال: هل المسيح أتى لهدايتكم أم لتضلوا؟ أتاكم وأنتم موحدون بالله، فهل يعقل أن يأمركم بالشرك: “ما كان لبشر أن يؤتيه الله الكتاب والحكم والنبوة ثم يقول للناس كونوا عبادا لي من دون الله ولكن كونوا ربانيين بما كنتم تعلمون الكتاب وبما كنتم تدرسون* ولا يأمركم أن تتخذوا الملائكة والنبيين أربابا أيأمركم بالكفر بعد إذ أنتم مسلمون*”؟!
إذا كان هذا هو المنهج الرباني مع المسيحيين، فالمسلم عليه الالتزام به، فهو ليس أغير من الله على دينه! وكذلك علاقة المسلمين باليهود. إن ما بيننا وبين اليهود ليس شأنا دينيا، فلا يوجد لدينا أي تحفظ على اليهود الناطوري كارتا. اليهود الصهاينة هم المشكلة فقد اعتدوا علينا وأقاموا مذابح المحرقة الكبرى للفلسطينيين وسلبوا وطنهم وشردوهم في أصقاع الأرض. “لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين”.
وسؤالي إلى متى يظل الصراع السياسي التركي التركي العقيم، فالصفويين أتراك والعثمانيون أتراك. لماذا تظل تربسة العقل التركي تتحكم في إسلامنا إلى اليوم وقد زال طرفا الصراع؟! لقد سقطت الدولة العثمانية في الحرب العالمية الأولى، وسقطت الدولة الصفوية قبلها في القرن الثامن عشر، فلا مبرر ولا مسوغ لنا اليوم لاتباع صراعهم السياسي والقيام بتقسيم الأمة بين سني وشيعي.
وإذا كان الله تعالى لم يسمح بوصم المسيحيين بالكفر، مع أنه بيّن لهم أن هذا الذي يقومون به فعل كفر. فكيف يجرؤ مسلم على تكفير أخاه المسلم، ولو قام بعمل يمكن وصفه بالكفر؟! تكفير المسلمين ليس أمرا هينا، بل ويستبيح دمه! ونسينا وصية الرسول صلى الله عليه وآله وسلم: “فلا ترجعن بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض، فإني قد تركت فيكم ما إن أخذتم به لن تضلوا بعده: كتاب الله وسنة نبيه، ألا هل بلغت … اللهم فاشهد. أيها الناس إن ربكم واحد وإن أباكم واحد كلكم لآدم وآدم من تراب أكرمكم عند الله اتقاكم، وليس لعربي على عجمي فضل إلا بالتقوى – ألا هل بلغت….اللهم فاشهد قالوا نعم – قال فليبلغ الشاهد الغائب”.