التفاوض في القاهرة .. إلى اين؟!
موقع إنباء الإخباري ـ
د. شاكر شبير:
من هي الأطراف التي تتفاوض في القاهرة؟ سؤال قد يبدو لأول وهلة بديهيا! فالمفاوضات هي مفاوضات غير مباشرة بين الفلسطينيين والإسرائيليين من خلال الوسيط المصري! وهذا الأمر يفترض أن الطرف الفلسطيني يدافع عن مصالح الشعب الفلسطيني وأن الطرف الإسرائيلي يدافع عن مصلحة إسرائيل، بينما الطرف المصري هو وسيط محايد بين الطرفين؛ فهل العملية هي هكذا إذا ما محصنا النظر فيها؟
لنبدأ بفحص الظاهرة حقليا ولنبدأ بالوسيط المصري النزيه المحايد، الذي يريد أن يتفاوض مع طرف يمثل الفلسطينيين رسميا، أي ليقوم على الأقل برئاسة الوفد الرسمي الفلسطيني. وقد تم تثبيت واعتماد رئيس منتهي الصلاحية كممثل رسمي للشعب الفلسطيني، وهو اعتماد ما اعتمدته الإدارة الصهيونية التي تدافع حرابها عن هذا الرئيس منتهي الصلاحية.
ثم الوفد الفلسطيني حيث يترأس الوفد الفلسطيني إدارة رئيس منتهي الصلاحية، وقد تم اختيار عزام الأحمد رئيسا للوفد. ويشمل هذا الوفد أعضاء من حماس وهو المكون الثاني في الوفد الفلسطيني. حماس وجهها الأول حركة تحرر وطني فلسطيني وهو الدافع الأساسي وراء تمترس الشعب الفلسطيني خلفها يوما ما، ووجهها الآخر جزء من حركة الإخوان المسلمين. المكون الثالث للوفد الفلسطيني هم صغار الفصائل مثل حزب الشعب والجبهة الديمقراطية. والمكون الرابع هو المكون الفاعل والذي يمثله كتائب القسام والجهاد الإسلامي مع سرايا القدس. ثم الوفد الذي يمثل العدو الصهيوني.
لقد انتصرت المقاومة الفلسطينية، وهي الآن تريد حصاد هذا الانتصار، وهو في أبسط صوره رفع الظلم عن الشعب الفلسطيني. والمفروض أن هذا الوفد يمثل مطالب الشعب الفلسطيني.
المكون الأول من الوفد ـ وهو إدارة الوفد ـ له أهداف أن يرجع قوة في غزة، ويهيمن على غزة كما هيمن بأجهزته الأمنية المنسقة مع العدو الصهيوني. وهو مطلب العدو الصهيوني، فلو كان عباس وزمرته في غزة لما قامت أصلا مقاومة في غزة. لذلك فهو يحاول إدخال نفسه كممثل للشعب الفلسطيني بالرغم من انتهاء صلاحية الرئيس. يريد أن يمسك بالمعابر، ويريد أن يرسل شرطته ومخابراته إلى غزة، بحجة تنظيم المعابر وحفظ النظام. إسرائيل تسانده في هذا الصدد، آملة أن تنزع سلاح المقاومة. وهنا نقطة تواطؤ محتمل وتنسيق بين رئاسة الوفد الفليسطيني وبين العدو الصهيوني، بأن تعمل إدارة الوفد كمخبر سري للعدو الصهيوني فيما يتعلق بالأجواء داخل الوفد المركب!
قد يبدو الأمر غريبا الآن وأنه لا يمكن أن يتم ذلك!
من يقولون بهذا الرأي هم على درجة كبيرة من السذاجة! فإسرائيل تحاول تحويل الاختلاف بين السلطة والفصائل المقاومة إلى فتنة داخلية للقضاء على المقاومة الفلسطينية، تماما كما خلقتها بين المقاومة الإسلامية اللبنانية وبين الحكومة اللبنانية من خلال فريق العملاء المسمى فريق 14 آذار.
لكن ذكاء ووعي المنظومة الناعمة في المقاومة الإسلامية وحلفائها فوّت الفرصة عليها. والهدف أن يتم القضاء على المقاومة كما تم قبل ذلك في الأردن. وربما تتدخل إسرائيل إنسانيا لمساعدة الفلسطينيين المتضررين! وربما يتم إعادة برمجة فصيل شهداء الأقصى ليقف بجانب السلطة في هذه الفتنة! عباس الذي فرضته مصر السيسي على الوفد الفلسطيني لا أمان له على الإطلاق. ومماشاته لمطالب الشعب الفلسطيني الشرعية والطبيعية والقانونية، وعدم السير كذنب لإسرائيل في العلن لم يكن إلا لأنه لا يملك اية أوراق على الأرض، ولا يؤثر في اي قرار فلسطيني على الأرض! وسيظهر للعالم أنه مجرد طرطور! ألم يعلنها مرارا وتكرارا أنه ضد الكفاح المسلح؟! ووعد أن لن تكون انتفاضة طالما هو في السلطة.
المكون الثاني وهو حماس التي تتصرف بتوجهين، التوجه كحركة تحرر وطني فلسطيني والتوجه كجزء من حركة الإخوان المسلمين، فهي أيضا لها أيضا أهداف خاصة. وقد انتخب الشعب الفلسطيني حماس كحركة تحرر وطني، فلا نريد أن تجير حماس التفافنا حولها كحركة تحرر وطني لصالح حركة الإخوان المسلمين، ثم نخضع حركة تحررنا لأولويات التنظيم الدولي للإخوان المسلمين!
عند سؤال المرشد العام للإخوان عام 1954 ما موقفكم من الحرب في القنال (حرب الجلاء)، أجاب” والله إحنا دعوة واسعة، أنتم قد تكون مصلحتكم أن تحاربوا في القنال، وإحنا نرى المصلحة أن نحارب في بلد آخر”!. تماما كما انشغلت حماس، تحت تاثير التنظيم الدولي، لفترة بالخلافة الفتنوية بقيادة أردوغان!
بل لقد بدأ بعض الإخوان تجيير هذا الانتصار والتضحيات الفلسطينية لهم! يقول أحدهم: “لكنّي أطلب من هؤلاء الاعتراف بحقيقة أكثر سطوعا…وهي أن من يقودون هذه المقاومة ينتمون لحركة الإخوان المسلمين، وأنهم نتاجها، وأن دعمهم الأساسي يأتي منها…”. ونسي أنه صحيح بعد سنة من تولي مرسي الرئاسة في أرض الكنانة قد أطلق صفارة الجهاد من استاد القاهرة، لكنه كان جهادا ضد سوريا العروبة! وكأن الفلسطينيين بحاجة إلى جماعة الإخوان المسلمين هنا ليعلموهم الوطنية! سلوك وفد حماس جعل المراقبين يقولون إن هناك مسافة بين القيادة السياسية لحماس وبين مقاتلي كتائب القسام على الأرض. بل وقد بدأت عملية استثمار دماء الفلسطينيين الزكية من قبل ما يسمى بالمكتب السياسي لحماس، في عملية التقارب القطري السعودي من خلال رسالة خالد مشعل للعاهل السعودي، وهي مثال للاتجاه الثاني من التحرك.
أما المكون الثالث فهو أيضا مجموعة مركبة تشمل الفصائل الصغيرة وهي تهدف لاثبات وجودها ككينونة قائمة مرة، ومرة أخرى قد تتزلف لعباس من أجل البقاء والتمويل.
المكون الرابع وهو المركب الفاعل والذي أخاطبة هنا وهو يمثل حركة التحرر الوطني وهو مكون من الجهاد الإسلامي وسرايا القدس وكتائب القسام. وهذا المكوّن هو الوحيد الذي يمثل مطالب الشعب الفلسطيني بنقاوتها. فلا توجد مسافة بين الجهاد الإسلامي وسرايا القدس في الأهداف. هذا الطرف المفروض هو الذي يكون الوفد الفلسطيني المفاوض. وهذا هو الذي يملك الكلمة النهاية والفيصل في الأمر، ولا يمكن تجاوزه.
أقول للإخوة من المكون الرابع والفاعل، وهم الممثل الحقيقي للشعب الفلسطيني، بأن حق الحرية حق بديهي للبشرية، وما زالت صرخة الفاروق رضي الله عنه في سؤاله الاستنكاري قائمة وتصم الآذان: متى استعبدتم الناس وقد خلقتهم أمهم أحرارا؟! نحن ننطلق في مطالبنا من مبدأ الحق، وليس التسول من القيوط الصهيوني؛ فمياهنا الإقليمية هي جزء من أراضينا كما يقول القانون الدولي، ولنا مطلق الحرية للعمل في مياهنا الإقليمية. الحصار هو اعتداء؛ فهو عمل حربي بكل المقاييس. ألم يسوّغ الكيان الصهيوني عدوانه على شعب الكنانة الشقيق بسبب إغلاق مضايق تيران أمام ملاحته، وهو أمر لا يرقى إلى مستوى الحصار الشامل الذي يقوم به الكيان الصهيوني ضد شعبنا. لو تم فك الحصار فلا نريد فتح معابر، بما فيها معبر رفح. وهو أمر لا تريده مصر السيسي حتى تتحكم بنا وبقراراتنا المستقبلية! هذا الحق حوّلته السلطة من حق إلى استجداء من الكيان الصهيوني من خلال تجزئته أو مرحلته؛ نبدأ بتوسعة مدى الصيد إلى ست أميال ثم وصولا إلى 10 أميال بحرية خلال مراحل!
لذا فرفع الحصار هو المطلب الوحيد والمحك الأساسي لحصولنا على مردود يوزاي تضحياتنا، ولا نريد سواه من تجليطات العدو الصهيوني وعباس ومصر السيسي. ألم نطالب مصر مبارك بفتح المعبر باعتباره علاقة بين فلسطين ومصر ولا علاقة لأحد به، فرفض مبارك وقال إن حوله اتفاقات دولية، وأبقاه مغلقا؟! واليوم تبقيه مصر السيسي مغلقا تحت العنوان الذي طالبنا بفتحه، فتستثنيه إسرائيل باعتباره شأنا مصريا فلسطينياً!
سؤال هام: هل لدينا سلاح ردع إذا استمرت إسرائيل في حصارنا ورفضت فك الحصار؟ بالطبع لدينا وهو ما يمكن تسميته الحصار المضاد. ويتم الحصار المضاد بعمل جدول زمني بضرب صواريخ على موانئ ومطارات العدو بطريقة تكفل عدم تشغيلها. فلا طائرات أجنبية أو إسرائيلية ستحط داخل الكيان الصهيوني، ولا سفن ستدخل موانئه وسيحدث عنده شلل تام. ونسميه بالحصار المضاد كعنوان حتى يتم ربطه بحصار الكيان الصهيوني لشعبنا.
إذا تم توقيف الحصار الشامل المفروض علينا، ستتحول غزة إلى قلعة صناعية رائدة في المنطقة، بل سنكون قادرين على الوقوف بجانب أهلنا في الضفة وفي الشتات حتى في الجوانب المالية، لن يعتمد شعبنا على التسول الذي تأباه النفس الحرة لشعبنا الأبي.