التحشيد التركي في شمال سوريا.. الدوافع والأهداف
صحيفة الوفاق الإيرانية-
علي حيدري:
انقرة من خلال استغلال نفوذها بين المعارضة السورية تحاول تدوين دستور جديد لهذه البلاد يتم من خلاله احتلال اجزاء من التراب السوري بصورة غير مباشرة.
اعلنت أنقرة عن هدفها في التحشيد العسكري شمال سورية، بانه للحيلوله دون اقتراب الفصائل الكردية الموالية لـ “حزب العمال الكردي” المعروفة باسم قوات سوريا الديمقراطية، وإبعاد الخطر الأمني الذي تمثله هذه الفصائل عند الحدود الجنوبية لتركيا.
وقال الرئيس التركي رجب طيب اردوغان مساء الاثنين وبعد الاجتماع الوزاري لحكومته خلال مؤتمر صحفي، سندخل الى عمق 30 كم من حدودنا الجنوبية من أجل انشاء منطقة آمنة في الأجزاء الضعيفة من الحدود. واضاف ان اولويتنا هي انشاء منطقة آمنة في الاجزاء التي يتم فيها شن الهجمات والإعتداءات ضدنا، وعندما تستعد قواتنا العسكرية والامنية، فان هذه الاستعدادات سوف تتم، وتابع الرئيس التركي، يوم الخميس المقبل وخلال اجتماع لمجلس الامن الوطني سيتم بحث ابعاد هذا الامر واتحاذ القرار النهائي بشأنه.
ويعتقد الخبراء السياسيون ان هذه التصريحات هي بمثابة التمهيد لقيام تركيا بعمليات عسكرية جديدة في شمال سوريا، والتي تاتي بعد عمليات درع الربيع في العام 2020، وينبوع السلام في العام 2019، وغصن الزيتون في العام 2018، ودرع الفرات في العام 2016، وان أهداف هذه العمليات شملت شمال سوريا والمناطق الكردية واجزاء من المناطق العربية في سوريا مثل ادلب وعفرين وشمال حلب والباب ورأس العين وتل الابيض.
تأثير الحرب الروسية وأزمة القرار التركي
ان المناطق التي لم تحتلها تركيا في شمال سوريا مثل منبج وقامشلي وكوباني وتل رفعت وعين العرب، يتم ادارتها من قبل الاكراد المتحالفين مع امريكا وروسيا والجيش العربي السوري، ومنذ بداية الحرب الروسية ضد اوكرانيا والتي مضى عليها اكثر من ثلاثة اشهر، في الوقت الذي كان الكثير يعتقد ان الحرب ستدوم بين اسبوعين الى شهرين، لكن يبدو ان روسيا قد تورطت في هذه هذه الحرب وتعرضت الى خسائر عسكرية وبشرية ثقيلة، ولذلك ليس بامكانها التركيز على الأوضاع في سوريا. ولذلك فان تركيا تحاول انتهاز فرصة إنشغال أحد اللاعبين المهمين في سوريا بالحرب، وتحاول تحقيق حلمها في انشاء منطقة آمنة بعمق 30 كم على امتداد الحدود في شمال سوريا.
الأهداف السياسة لأردوغان
ان الهدف المعلن لانقرة من التحشيد العسكري في شمال سوريا هو عدم اقتراب الفصائل الكردية الموالية لحزب العمال الكردستاني المعروفة باسم قوات سوريا الديمقراطية من الحدود وابعاد الخطر الامني الذي تمثله هذه الفصائل على الحدود الجنوبية لتركيا.
ولكن هناك أهداف اخرى غير المعلن عنها والتي يمكن الاشارة اليها، انه مع قرب انتهاء الازمة السورية واستقرار حكومة بشار الاسد في دمشق، فان تركيا تحاول ان تلعب دوراً محورا في المستقبل السياسي لهذا البلد.
لقد أنفقت انقرة المليارات من الدولار من أجل اسقاط حكومة بشار الاسد واليوم بعد فشلها في تحقيق هذا الهدف تحاول العثور على موقع لها في مستقبل سوريا.
ولهذا السبب فان انقرة من خلال استغلال نفوذها بين المعارضة السورية تحاول تدوين دستور جديد لهذه البلاد يتم من خلاله احتلال اجزاء من التراب السوري بصورة غير مباشرة واسكان هذه الاجزاء بواسطة الموالين لها في المستقبل.
التحشيد العسكري ولمحة على الانتخابات الداخلية
في العام المقبل ستقام الانتخابات الرئاسية في تركيا، والازمة الاقتصادية في تركيا مستمرة في التفاقم بصورة مخيفة، وحسب مركز الاحصاء في تركيا فان التضخم في تركيا وصل الى 70% في حين ان المراكز المستقلة ذكرت ان التضخم اصبح يتراوح بين 150 الى 200% وهذا الامر لا سابق له في تركيا منذ 20 عاماً.
وهذه المعلومات تبين ان اردوغان لا يملك رؤية واضحة حول مستقبل الانتخابات المقبلة، بالاضافة الى الهجمات التي يتعرض اليها اردوغان من الاحزاب المعارضة بشأن سياسة الهجرة التي ينتهجها اردوغان، والتي أدت الى المزيد من استياء الاتراك للتواجد الواسع للنازحين السوريين الذين يتراوح عددهم بين 5ر3 الى 4 مليون. كل ذلك تجعل احتمالات فوز اردوغان مجدداً في الانتخابات القادمة غامضة.
لذلك، فان على اردوغان وحكومته الذي وافق على دخول هؤلاء اللاجئين الى بلاده ان يقرر بسرعة مصيرهم، لذلك اعلن اردوغان بأن المنطقة الآمنة ينوي انشاءها ستكون ملجأ لمليون مهاجر سوري و ذلك على أمل استعادة شعبيته التي فقدها وتعزيز فرص فوزه في الانتخابات.
ما هي المناطق المستهدفة
اعتبر اردوغان بصورة عامة إن الاولوية هي للمناطق التي يتم من خلالها شن الهجمات على القوات التركية وبالتالي انشاء شريط حدودي بعمق 30كم داخل الاراضي السورية.
وعلى هذا الاساس فانه يمكن القول ان هذا الشريط يبدأ من تل رفعت في غرب الفرات وإلى عين العرب ومنبج في شرق الفرات، ثم يأتي بعدها القامشلي وكوباني. وقد أشار البعض الآخر الى ان مدينة حلب أيضاً ستكون الهدف المقبل، ولكن هذا الاحتمال ضعيف لأن حلب تقع في عمق أبعد من 30 كم، كما ان هذه المناطق وخلافاً للمناطق الأخرى هي مدينة عربية، وتقع بيد الجيش العربي السوري، كما ان هذه المدينة تتمتع بأهمية خاصة لدمشق وحلفائها.
تركيا ومحور المقاومة
ان طبيعة العمليات التركية والمناطق التي تم اختيارها ستؤدي الى اشتباك مباشر مع محور المقاومة، الامر الذي سيؤدي بالمنطقة الى تحدي جديد.
لقد غيّرت أنقرة من نهجها تجاه طهران في المجال الدبلوماسي، حيث ان الأذرع الاعلامية لتركيا اعربت عن قلقها في موضوع الملف النووي الايراني ومصير الاتفاقية النووية، وهذا الامر يبين ان تركيا لن تسكت في المستقبل على الإجراءات الايرانية في المنطقة، وأن تركيا سوف تستخدم قدراتها لتحجيم طهران في داخل حدودها.
ان هذا النهج الجديد لتركيا تجاه ايران تزامن مع تطبيع العلاقات بين أنقرة وتل أبيب والرياض وبالتالي تشكيل جبهة موحدة.
ويمكن القول ان الاحداث التي ستقع في الايام و الاسابيع القادمة في شمال سوريا هو اسقاط عملي على النهج الجديد للدبلوماسية التركية تجاه ايران، الامر الذي سيزيد في تعقيد الاوضاع في المنطقة اكثر من السابقة.