الانتخابات في سورية: عندما يصبح الصوت… رصاصة
ليس المهم أن تكونَ بنظرِ الآخرين متمتعاً بالحرية، المهم أن تصلَ لمقدارِ الحرية الذي يُحقق لك ذاتك.
في الوقت الذي واصلَ فيهِ أعداءُ سورية حربهم على الاستحقاقِ الانتخابي، بشكلٍ يتناسب طرداً مع خيبتهم من إمكانيةِ إسقاط سورية، عبْر الجماعات الإرهابية المسلحة، خرجت جموع السوريين في المغتربات لتدقَّ مسماراً أخيراً في نعش الحالمين بالسيطرةِ على سورية.
هكذا أرادها المغتربون السوريون، وهكذا انتفضوا لقولِ كلمةِ الحق، في وجه ما تبقى من طغيانٍ يجتاح بلدهم. مشهدٌ جعلنا جميعاً نقف باحترامٍ لكل شخصٍ يسكنه الوطن، حتى لو لم يسكن في الوطن، حمل علم بلاده مستصرخاً دعاة الحرية قائلاً: دعوني وحريتي.
نجح الناخب السوري في المغترب، بقلبِ كل التوقعات، تحديداً تلك التوقعات التي أصابت أصحابها بجمودِ الصدمة، ولعل خير ما يمكن الاستشهاد به هنا تقرير «الواشنطن بوست» عن ما جرى أمام السفارة السورية في لبنان، تقريرٌ وإن لم يسلم من بعض الأكاذيب والمغالطات «المطلوبة»، لكنه لم يستطع أبداً أن يُخفي فكرة أن الإقبال الكبير للناخبين السوريين كان مثيراً للاهتمام، وبالتالي نجح هذا المواطن السوري بإيصال صوته عبر صندوق الانتخاب أولاً، وعبر صندوق الرسائل السياسي ثانياً، والنتيجة واحدة:
صفعة، سيحتاج المعتدون مطولاً للاستيقاظ منها..
من جهةٍ ثانية، نجحت القيادة السورية في رهانها على أهمية إجراء الانتخابات أياً كان الثمن. كانت القيادة تدرك منذ البداية أن الحسم العسكري ضد العصابات الإرهابية المسلحة، يجب أن يترافق بحسمٍ سياسي، يتجسد في إجراء الانتخابات الرئاسية في البلاد. هي لم تكسب من ذلك فقط منع البلاد من السقوط في الفراغ الذي يحلم به الحالمون، لكن هناك إصرار على التأكيد أن إسقاط المؤامرة يجب أن يكون من حيث بدأ، حرية التعبير..
إذا كنت تريد أن تعرف أهمية ما تحققه من نجاحٍ، من الأفضلِ لك ألا تنظر لهذا الأمر من منظور ما يغدقهُ عليكَ معجبوكَ من اطراءٍ وعباراتٍ مهلِّلة لهذا النجاح، لكن الأشد نجاحاً أن تقرأ نجاحك في ضياع خصمك وما خلفته نجاحاتك لديه من تخبط.
مشيخاتٌ وممالك لا تعرف كلمةَ صندوقٍ إلا لجمعِ الخضار والفواكه، التقت فكرياً وذهنياً مع دولٍ تقدم نفسها كراعيةٍ للديمقراطية حول العالم، فقرروا منع السوريين من ممارسة حقِّهم بصوتهم الانتخابي وواجبهم الوطني، دون إعطاء أي مبرراتٍ لهذه القرارات التي لا تعبر إلا عن حالة الارتباك التي يعيشونها، كيف لا ورياح الديمقراطية قد لا ترحم ملكاً ولا أميراً.
إعلام ومثقفون، تراهم جيفاً أصاب أدمغتها الرث، وهم يحاولون خلقَ الأكاذيبِ والتبريرات الكوميدية للحديثِ عن حقيقة هذا الطوفان البشري. تصمت للحظة، قد ينتابَك شعورٌ باليأس، فإن كان هذا المثقف أو ذاك الأكاديمي يتكلم بما يُملي عليه ضمير البترودولار، لكن ماذا عن المتلقي؟! هل حقاً بلغ التسطح الفكري عند متابعي تلك القنوات وبعد سنواتٍ ثلاث من عمر هذه الحرب (الصهيوـ وهابية) على المنطقة، لدرجةٍ باتت فيها هذه الأكاذيب تمر كمرور الجراثيم إلى جسد المريض الذي فقد مناعته.
حاولوا أن يذهبوا بالمتلقي نحو متاهاتٍ تشتت له أفكاره، لكنهم ورغم كل هذا وقعوا في مغالطاتٍ مثيرة للسخرية: «نظام» يقتل ويقصف شعبه، يهرب هذا الشعب البريء من بطش النظام باتجاه لبنان، يبدأ الجميع باستغلال لجوئهم، وعندما تحين ساعة الحقيقة يخرج ذات الشعب الذي هرب من بطش النظام ليهتف بحياة النظام بل ينتخبه. معادلة تبدو في الشكل شبه مستحيلة، لكنها ببساطة ممكنة الحل، فقط عندما نرفض أن نقرأ في عيون الناخبين مجاهيل عدة. قد نظن أننا نقرأ مجهولاً في عيون بعضهم يعبر عن حال الندم، وقد نظن أننا نقرأ في عيون بعضهم الآخر مجهولاً يعبر عن حال الهزيمة والتسليم بانتصار الآخر، لكن دعونا نتفق أن نرى في عيون جميع منْ انتخبوا في لبنان وباقي دول العالم مجهولاً واحداً هو الوطن، ولأن الوطن لم يُخلق ليكونَ مجهولاً، انتفض هؤلاء ليحملوا الوطن في كفهم ويضعوه في صندوق الوفاء.
لم يكن التصريح الذي أدلى به وزير الخارجية الروسي عن انتقاده استعداد الغرب للاعتراف بشرعية الانتخابات الرئاسية في أوكرانيا دون إصلاحات دستورية ورفضه في نفس الوقت الاعتراف بالانتخابات في سورية، إلا من باب تأكيد أن ما يذهب إليه الغرب من عشوائية استراتيجية ستكون انعكاساتها أكبر من تصوراتهم. أعداء سورية باتوا ينظرون للأمر من منظور استنفاد كل الوسائل المتاحة لضرب سورية في عمقها البشري الذي فاخرت به مطولاً، فالبلاد لم تسقط في أتون حربٍ أهلية كما كانوا يروجون، حتى إن الفكر الطائفي الذي كانوا يروجون له سقط مع التدقيق في صور الزاحفين نحو السفارة السورية في لبنان للقيام بواجبهم الانتخابي.
في الأوساط السياسية الفرنسية هناك من يروي عن قيام الفرنسيين يوماً بطرح فكرة «إسقاط الأسد» سياسياً عبر صناديق الاقتراع، بحيث تُمارس جميع الدول ضغوطها لإيصال مرشح قوي يستطيع أن يواجه الأسد انتخابياً، حتى إن البعض أكد إمكانيات التدخل المالي في هذه الانتخابات بداعي إرسال مراقبين من الأمم المتحدة لمراقبة هذه الانتخابات، على غرار المال الانتخابي الذي يدفعه «آل سعود» في لبنان لضمان حكم «آل الحريري» فيه. هناك من مشيخات النفط من بدأ فعلياً بالتحضير لإرسال مراقبين على غرار «المحتسبين» الذين أرسلهم «آل سعود» لمراقبة الانتخابات في مصر (بالمطلق من يريد أن يراقب فعلاً ديمقراطياً عليه على الأقل أن يمتلك ما تيسر من هذا الفعل الديمقراطي). بالتأكيد سقطت الفكرة قبل أن تأخذ طريقها إلى العلن لأن الأميركيين اتبعوا مبدأ (لا تكذبوا الكذبة وتصدقوها)، فاللعب على وتر شعبية الرئيس السوري أمر في غاية الخطورة، وبدلاً من محاربته في شعبيته عليكم محاربته في شرعيته، بالطعنِ في انتخاباتٍ قادمة. كان هناك ادراك أن يوم الانتخاب في سورية سيكون بداية النهاية، حتى إن «يدعوت احرونوت» ذهبت أبعد من ذلك عندما اعتبرت أن الانتخابات في مصر، والانتخابات في سورية هي نعيٌ للربيع العربي.
لم يعد الغرب قادراً على قول كل شيء كما يريد، فالتقارير الإعلامية التي تتحدث عن تفشي ظاهرة الإرهاب «العالمي» باتت أكبر من طاقتهم. ليس من السهل أن تُعلن وسائل الإعلام الأميركية أن الإرهابي الأميركي «أبو هريرة» هو من فجَّر نفسه في «ادلب» مخلفاً وراءه عشرات الشهداء جُلّهم من النساء والأطفال. كذلك الأمر ليس من السهل أن يعلن الإعلام الفرنسي بشكلٍ يومي تقريراً عن الخوف من الإرهابيين الفرنسيين المشاركين في الحرب في سورية، والراغبين في العودة إلى أوروبا. هذه المعطيات تفضي إلى نتيجة واحدة:
إما حرباً على الإرهاب بوجود الأسد «إن نجح في الانتخابات»، أو لندع المواطنين الأوروبيين جميعهم يستسلمون لمصير إمكانية دخول الإرهاب إلى كل بيت.
إذن ساعات قليلة تفصلنا عن الاستحقاق الانتخابي، لقد أحسن السفير السوري في موسكو عندما وصف الانتخابات قائلاً بأن كل صوت هو رصاصة في وجه المؤامرة. يكفينا من المرشحين «من سيفوز ومن سيخسر» أنهم أشخاص حملوا المسؤولية الوطنية وقرروا الترشح. يكفينا من أي مواطن سوري يتوجه نحو صناديق الاقتراع لممارسة حقه «أيّاً كان مرشحه» أنه شخص يتحمل مسؤولياته الوطنية. من هنا على الجميع أن يدرك أن هناك إمكانية أمامنا لتحويل شهر حزيران من شهر النكسة، إلى شهر الولادة المتجددة لسورية المتجددة، لتبدأ بعدها حربنا على نكساتنا التاريخية، فمن حق الشعب الذي دافع وصمد وقدم الغالي والرخيص أن نُقدر له كل هذا الصمود. من حق الشعب الذي صمد أن تكون لديه حكومة تعي واجباتها والتزاماتها. لذلك ليكن صوتنا أمانة، ولنجعل من هذا اليوم حفلاً نتبارز فيه في أحقية كلٍ منّا بدق المسامير في نعش المؤامرة.
صحيفة الوطن السورية – فراس عزيز ديب