الإنتخابات العراقية وخارطة طريق المرجعية
موقع العهد الإخباري-
عادل الجبوري:
منذ وقت مبكر، دعت المرحعية الدينية في النجف الأشرف، متمثلة بالمرجع الديني الكبير اية الله العظمى السيد علي السيستاني، الى اجراء انتخابات برلمانية مبكرة ضمن رؤيتها لتحقيق الاصلاحات الشاملة وتحسين الواقع الحياتي لمختلف فئات وشرائح الشعب العراقي. وقد جاءت دعوات المرجعية هذه استجابة لمطالب الحركة الاحتجاجية الاصلاحية التي انطلقت في خريف عام 2019.
والآن، وقبل بضعة أيام من حلول موعد اجراء الانتخابات البرلمانية المبكرة، المقررة في العاشر من شهر تشرين الاول-اكتوبر الجاري، عادت المرجعية لتؤكد ذات الثوابت وتشدد على نفس المبادئ والمتبنيات ارتباطا بحساسية المرحلة وخطورتها وطبيعة التحديات والتهديدات المحدقة بالعراق، دولة وشعبا.
البيان الصادر عن مكتب المرجع سماحة السيد السيستاني في التاسع والعشرين من ايلول-سبتمبر الماضي، كان بمثابة خارطة طريق لتصحيح المسارات الخاطئة، وانتاج مخرجات انتخابية سليمة، تسهم في اصلاح الواقع، وحلحلة العقد والمشاكل القائمة.
وقد شددت المرجعية في بيانها “التاريخي” -كما وصفه الكثيرون- على المشاركة الواعية والمسؤولة في الانتخابات القادمة، مؤكدة “أنها وإن كانت لا تخلو من بعض النواقص، ولكنها تبقى هي الطريق الأسلم للعبور بالبلد الى مستقبل يرجى أن يكون أفضل مما مضى، وبها يتفادى خطر الوقوع في مهاوي الفوضى والانسداد السياسي”.
في حقيقة الامر، تضمن البيان تشخيصا دقيقا وموضوعيا لاسباب تراكم المشاكل والازمات على امتداد ما يقارب العقدين من الزمن، من دون وجود حلول ومعالجات حقيقية لها، رغم تعاقب عدة حكومات ودورات برلمانية على مقاليد السلطتين التنفيذية والتشريعية-الرقابية. وكذلك فإن بيان المرجعية، تضمن تحديد المسارات السليمة والصائبة التي ينبغي اتخاذها، لأجل تصحيح واصلاح الواقع السلبي والخاطئ.
ورغم أن البيان خرج بصيغة رد على استفسارات بعض المواطنين، إلا أن توقيت صدوره والاعلان عنه، كان محسوبا بدقة، كما هو مضمونه، حيث انه جاء قبل موعد الانتخابات بأحد عشر يوما فقط، وبعد انتهاء زيارة الاربعين، التي لا يمكن لأي قضية أخرى أن تتقدم عليها من حيث الأهمية لدى عشرات الملايين من المؤمنين في داخل العراق وخارجه.
ومن المؤكد أن خارطة طريق المرجعية للتصحيح والاصلاح عبر بوابة الانتخابات، ستساهم في دفع الكثير من المترددين الى المشاركة، وتحفزهم وآخرين غيرهم على التدقيق والتمحيص بدرجة أكبر، حتى تأتي اختياراتهم صحيحة، ووفق ما أكدت عليه المرجعية، فضلا عن الحرص على الفرز بين المساحات الايجابية والمساحات السلبية في المعركة الانتخابية، وهذا من شأنه ان يخلق سلطة تشريعية اكثر فعالية ونزاهة وحرصا على المصالح العامة وليس المصالح الفئوية الخاصة، وبالتالي تشكيل سلطة تنفيذية تعمل هي الاخرى بنفس الاتجاه والسياق.
وما أكمل وعزز رؤية المرجع السيستاني، فتوى آية الله العظمى السيد كاظم الحائري، التي صدرت بعد أيام قلائل من بيان المرجعية الدينية في النجف، اذ شدد فيها على جملة نقاط، هي:
أولًا: ضرورة المشاركة الفعّالة والواسعة في الانتخابات بالذهاب إلى صناديق الاقتراع والإدلاء بالرأي وعدم التهاون في ذلك.
ثانيًا: يجب إيصال المؤمنين الأكفاء إلى البرلمان، ممّن يهدفون إلى خدمة بلادهم وشعبهم بصدق وأمانة ويعرفون بسيرتهم الحسنة بين الناس والبعيدين عن تأثيرات المستكبرين.
ثالثًا: يحرم إعطاء الصوت والتأييد لكلّ من يدعو لبقاء قوّات الاحتلال على أرض العراق، أو لا يدعو إلى إخراجها.
رابعًا: يحرم انتخاب من ينصب العداء لقوى الحشد الشعبي حُماة الوطن والقيم، أو من يستتر خلف دعاوى دمج الحشد مع القوّات الأمنيّة لتضعيفه أو تمييعه، سعيًا وراء إرضاء الأجانب الأعداء والفاسدين الذين يعدّون العدّة للمكر بالعراق ومحاربة قيمه ومجاهديه وأهله الصالحين”.
ولعل المرجع الحائري، أعاد التأكيد على ما اوصى به وشدد عليه المرجع السيد السيستاني، وكذلك، طرح نقاطا اخرى بصورة اكثر وضوحا، من قبيل تلك المتعلقة بالموقف من الوجود الاجنبي والحشد الشعبي، ولا شك أن كل هذا ينطوي على أهمية بالغة في تشخيص الموقف الصائب والصحيح، في خضم منهج خلط الاوراق الذي تتبعه جهات خارجية وداخلية لتحقيق اهداف ومآرب معينة، بعيدة كل البعد عن المصالح الوطنية والقيم الدينية، والمبادئ الاجتماعية للشعب العراقي.