الإمام موسى الصدر ما يزال حيّاً
موقع العهد الإخباري ـ
محمود ريا:
يحتار الناس في الكبار. يوافقونهم ويخالفونهم، يؤيدونهم ويعادونهم، ولكن لا مفرَّ لهم من الاعتراف بأنهم كبار.
ولأنهم كذلك، هناك من هو مستعدٌّ لبذل كل غالٍ ونفيس لحمايتهم، وصولاً إلى تقديم الروح فداءً لهم، فيما هناك من هو مستعد للقيام بكل ما هو مشروع أو غير مشروع للتخلص منهم.
المُقدِمون على حمايتهم يرون فيهم أملاً وخلاصاً وهداة درب وراسمي نهج، والذين يسعون للخلاص منهم يعتبرون ـ وهم صادقون في ما يعتبرون ـ أن هؤلاء يشكلون حجر عثرة أمام مشاريعهم الهادفة إلى الهيمنة والسيطرة على الشعوب وعلى البلدان.
والإمام موسى الصدر هو أحد هؤلاء الكبار.
ولأنه كذلك، احتار فيه الناس.
سارت وراءه جموع، وآمن به رجال ونساء وأطفال، وارتجى منه ثوار وأصحاب قضية أن يكون السند والمعين، وما يزالون.
وحاول الكثيرون تسفيهه، والانتقاص من قيمته، وأطلقوا عليه الصفات والنعوت، وكل ذلك لأنهم يخافونه، يخافون على مصالحهم ومخططاتهم وعلى تحكّمهم بالمستضعفين والمحرومين.
وعندما أعلن السيد موسى الصدر حركة المحرومين، وضع نفسه في موقع القائد الذي يقوّي من يسيرون معه ويتقوّى بهم، كما وضع نفسه في موقع الخصم لأصحاب السلطان على مستوى لبنان والمنطقة.
وفي مواجهة من هذا النوع، لا مناص من الصدام.
في غمرة تعدد المشاريع المرسومة للبنان، وفي ذروة العمل لتفكيك هذا البلد وتقسيمه وتحطيمه وتقزيمه، وقف الإمام الصدر، وكان حركةً في التاريخ مضادةً للاتجاه السائد، وكان موج البحر الذي لا يتوقف، لأنه آمن وأوصى إخوانه الثوار قائلاً: “أنتم يا إخواني الثوار كموج البحر، متى ما توقفتم انتهيتم”.
لم يتوقف، فسار وتقدم، وحطم أحلاماً وأفسد مخططات ومشاريع، فكان الاختطاف الآثم.
لو كان السيد موسى الصدر شخصاً “أنَوياً”، لما أخاف أحداً، ولما تعرض لكل هذه المؤامرات ومحاولات الاغتيال، ولعملية الاختطاف بعد ذلك، لأن الانسان الأنوي يتوقف، يفكِّر بذاته، يراعي أناه، يحافظ على مصالحه، وبالتالي، مهما علا مقامه، فهو قابل للبيع وللشراء.
أما أن يكون الانسان كموسى الصدر، يتعالى على الذات، ولا يفكر بالأنا، ولا يبحث عن فائدة أو مصلحة شخصية، فهو يصبح أمة في رجل، ومن يصبح كذلك يكون خطراً وخطراً جداً على كل مجرم وعلى كل حاقد وعلى كل متاجر بمصير شعب وأمة، وبالتالي يكون على المهداف، ضحية مؤجلة حتى تحين الفرصة وتكتمل المؤامرة.
وحين توافرت الظروف الحاسمة، وتلاقت اﻹرادات اﻵثمة، كانت الجريمة الفظيعة، واختطفوا الصدر.
كان هؤﻻء الذين دبروا أمر اﻻختطاف يظنون أن اﻹمام موسى الصدر هو شخص.. وانتهى.
كانوا يتوهمون أنهم بفعلتهم هذه خنقوا الفكرة، وقمعوا الثورة، وعطلوا حركة التاريخ المعاندة لحركة صعودهم التي أرادوها إلى ما ﻻ نهاية، على حساب المظلومين والمسحوقين في هذا البلد.
ولكن الفكرة ﻻ تموت، والثورة ﻻ تنتهي، وحركة التاريخ التي تطلقها همم الكبار ﻻ يمكن أن تتعطل.
فالنهج الذي خرّج موسى الصدر بات حقيقة واقعة، وخرّج معه انقلاباً على المفاهيم العفنة السائدة، فكانت ثورة خالدة غيّرت وجه التاريخ.
وموسى الصدر نفسه، زرع بذرة في أرض خصبة، كانت متعطشة لمن يغرس ويروي بالعرق والتضحيات، لتنتج أفضل الثمار، أو لعلّه قدح زناد بركان كان يتلهف للتفجر ثورةً في وجه الطغاة، وما عاد هناك مجال ﻻنطفاء هذا البركان.
وهكذا تحول إخفاء اﻹمام موسى الصدر لعنةً على الخاطفين، وناراً على مخططاتهم، تحرقها وتقضي عليها، مهما تكاثرت وتنوعت وتغيّرت.
لقد بات موسى الصدر أملاً ﻻ يعرف الناس معه اليأس، وخلاصا من احتلال وحرمان ربضا على صدور من باتوا أبناءه لردح طويل من الزمن، فكان هادياً إلى درب التحرر، وراسماً لنهج رفع الحرمان عن المستضعغين والمحرومين.
وعلى الرغم من إخفاء جسده، بقيت روح موسى الصدر وأفكاره وتعاليمه حجر العثرة اﻷكبر في وجه مشاريع اﻻحتلال والتهميش والتقسيم والتقزيم.
واستمرت المسيرة، وكبرت، ﻻ بل تعاظمت، فحرّرت وحمت، ورفعت الحيف في أكثر من مكان، وما زالت شعلة متقدة، ﻻ تعرف الخفوت.
شخص فعل كل هذا لا يمكن أن يموت. ومع بقاء الأمل ببقائه حياً بالجسد، طالما هناك من هو أطول منه عمراً في عالمنا، فإن اليقين ببقاء نهجه حياً لا يشوبه أي شبهة ضعف، ولا تعترضه أي غيمة شك، فهو ناصع واضح لامع، وهو يقين سيبقى مع أجيال عديدة كان الإمام موسى الصدر ملهمها ومعلمها وقائدها، وستبقى أفكاره هادية لها، حتى تتحقق الأهداف التي سعى إليها، وعلى رأسها حرية وكرامة المحرومين والمستضعفين.