الإستعداد للحرب يمنع وقوعها فهل تمهد لتسريع الحل السياسي؟
صحيفة الوطن السورية-
محمد نادر العمري:
انتهت قمة طهران التي جمعت زعماء دول ما يعرف بـ«ترويكا آستانا» وهي روسيا وإيران وتركيا، بمخرجات أقل ما يمكن وصفها بأنها فضفاضة واعتيادية حول الملف السوري عموماً والمنطقة الشمالية منه بشكل خاص، حتى أن البعض من الباحثين ذهب لوصف تلك المخرجات بأنها تحقق «سلاماً مؤقتاً» فقط، لأنها لم تسقط أطماع النظام التركي بمحاولة التوغل في الشمال بشكل قطعي من جانب، ولم توفر الأرضية والمقومات الأساسية بناءً على التزامات محددة وبتوقيت سياسي واضح للقضاء على الإرهاب بشكل جذري ودفع العملية السياسية وفتح الأبواب أمام عودة اللاجئين دون أي استثمار أو ابتزاز لتحقيق غايات انتخابية أو مادية معينة، كما أنها لم تلزم بشكل لا لبس فيه انسحاب الاحتلال التركي إلى جانب قوات الاحتلال الأميركي من المنطقة.
ولكن بعد القمة، كان لافتاً حصول تناقضات ما بين سلوكيات وتصريحات النظام التركي تجاه الجغرافيا الشمالية من سورية، حتى باتت بوصلته الحقيقية ومحددات سياسته الخارجية تجاه سورية تترنح ما بين المناورة وتبادل الأدوار، ولعل أبرز أوجه هذا التناقض تمثل في تصعيد ميداني على عدد من جبهات المواجهة غربي وشرقي الفرات، وإعلان قمة الهرم الدبلوماسي للنظام التركي عن استعداد نظامه لتقديم المساعدة سياسياً لما وصفه بـ«النظام السوري» لمحاربة الإرهاب شرق الفرات، وهو ما جعل الكثير منا في حالة تناقض ما بين سلوكيات تعبر عن نيات مبطنة وتصريحات رنانة توحي إعلامياً بتغيرات في السياسة الخارجية التركية تجاه سورية وتطوير للعلاقات بين الجانبين.
في الحقيقة النظام التركي لم يطرأ على سلوكه الابتزازي أي تغيير ومازال يمارس تكتيك «القفز على الحبال» في تعاطيه مع القوى ذات التأثير على هذا الملف، وفي موقفه تجاه الدولة السورية وشعبها، وهذا واضح وفق مؤشرات ومعطيات واقعية لا يمكن تجاهلها أو إنكارها، رغم حاجة الضرورة التي يجب أن تدفع النظام التركي لتغيير هذه السياسة، وتبرز أهم هذه المعطيات وفق الصور التالية:
أولاً- إعلان كبير مستشاري رئيس النظام التركي في تغريدة له على وسائل التواصل الاجتماعي بعد قمة طهران بساعات معدودة، نية بلاده التوجه نحو تطبيق الميثاق الملي الذي يتضمن ضم الولاية الثامنة والأربعين للولايات التركية، وهذه الولاية هي المنطقة الممتدة من الموصل غرباً حتى حلب شرقاً، وذلك مع اقتراب انتهاء العمل باتفاقية لوزان التي فرضت على تركيا حتى عام 2023.
ثانياً- نيات النظام التركي بالعدوان على الشمال السوري لم تختف، ولكنها تجمدت ما بعد قمة طهران بسبب اصطدام الأطماع التركة «بفيتو» مزدوج روسي إيراني، وأكثر الأدلة على بقاء نية الاعتداء تتمثل بتلويح رئيس النظام التركي رجب أردوغان خلال مقابلة تلفزيونية له منذ أيام بعمل عسكري، عندما زعم بقوله: «إن سورية مازالت بؤرة للتنظيمات الإرهابية»، تبعها تصريح آخر للمتحدث باسم الرئاسة التركية إبراهيم قالن هدد من خلالها بتنفيذ العملية العسكرية في أي وقت، تزامن ذلك مع تصعيد ميداني مباشر عبر المدفعية والمسيرات التركية طالت المسافة الممتدة من أبو راسين وتل تمر في ريف الحسكة من الغرب وصولاً لتل رفعت ومحيطها شرقاً.
ثالثاً- تصريح وزير الخارجية التركي الذي تضمن استعداد نظامه تقديم الدعم السياسي للدولة السورية بمحاربة الإرهاب، فيه الكثير من المراوغة، فهو قد يقرأ من جانب بأنه محاولة «لجس النبض» لبداية التعاون مع الدولة السورية وتطوير هذا التعاون تمهيداً لإعادة العلاقات، ولكنه من جانب آخر قد يكون هدفه الاصطياد بالمياه العكرة، لتحقيق عدة أهداف في مقدمتها، أولاً توسيع دائرة الخلاف والهوة بين ميليشيات «قسد» والجيش السوري لقطع الطريق أمام أي تعاون أو حوار يفضي لمواجهة أي اعتداء تركي، فضلا عن سعي النظام التركي لخلق حالة اقتتال داخلية بين الجيش السوري و«قسد» مما يجنبه خسائر فادحة قد يتكبدها في حال غزوه المناطق التي تحتلها «قسد»، أما الهدف الثاني فيتمثل في إبقاء الفرصة متاحة للنظام التركي للقيام بالاعتداء تحت مسمى مساندة الدولة السورية للإفلات من الضغوط الإيرانية الروسية، هذا التصريح وما تضمنه يحمل الكثير من الخبث التي تظهره الانتقائية التركية باعتبار أن الإرهاب يكمن في شرق الفرات في حين يصنف الفصائل المسلحة التابعة له في إدلب بأنها معارضة معتدلة، في ظل عودة المال القطري والتقارب مع تركيا لإعادة هيكلية هذه التنظيمات ومدها بالإمكانات المادية لتحسين واقعها وتخفيض مؤشر الاقتتال فيما بينها.
البيان العسكري السوري الذي صدر نهاية شهر تموز، يحمل في طياته أبعاداً سياسية وعسكرية واضحة سواء من حيث تمسك سورية بثوابتها في التصدي لأي اعتداء يهدد سيادتها، أو من حيث الدعم الذي ستحصل عليه سورية من حلفائها لردع أي عدوان في حال حصوله، ولاسيما أن النظام التركي صعد في الجغرافيا الشمالية السورية بعد استهداف روسية لسفينة عسكرية أوكرانية في أوديسا وأدى للتشكيك باتفاق اسطنبول بين روسيا وأوكرانيا لتصدير الحبوب الأوكرانية الذي تراهن عليه تركيا لتحقيق مكاسب جيو استراتيجية.
ويلاحظ أيضاً زيادة الإعلان عن المناورات العسكرية للجيش العربي السوري، فهي إن كانت روتينية واعتيادية وليست هي الأولى منذ بدء الأزمة، ولكن تكرار الإعلان في الآونة الأخيرة عن هذه المناورات من إسقاط مظلي وصولاً لتدريبات برمائية، تحمل معها رسائل بتوقيت سياسي مقلق منها:
– هذه المناورات جاءت بعد التهديدات التركية بتوسيع عدوانها باتجاه الأراضي السورية، فالرسالة الأولى هي رسالة ردع للنظام التركي وأعوانه، لذلك جاءت هذه المناورات في ريف حلب بالتحديد التي تتضمن تل رفعت ومنبج اللتين يسعى التركي لاحتلالهما.
– المناورات ربما حصلت هذه المرة بمشاركة قوات من ميليشيات «قسد» وإن صح الخبر الذي أعلنته وسائل إعلام روسية، فهو يمثل تنسيق وتعاون الضرورة، أوجدته التهديدات المشتركة، وهي النقطة التي يحاول الجانب الروسي الانطلاق منها لتسهيل مهمته في محاكاة العملية السياسية والحوار الوطني السوري.
– هذه المناورات صحيح أنها حصلت في الشمال السوري في رسالة ردعية للنظام التركي، إلا أنها تحمل رسالة للكيان الصهيوني بعدم التطاول في استهدافه العمق السوري، ولاسيما أن هذه المناورة الأخيرة أظهرت تمتع الجيش السوري بخبرات قتالية رغم مرور أكثر من عقد من الزمن على الاستنزاف الذي تعرض له، فضلاً عن الإمكانات البرية والجوية والدفاعية بما فيها منظومة «البانتسير» الروسية، بالتزامن مع تصاعد التوتر الذي يسود العلاقة الروسية الإسرائيلية.
الاستعداد للحرب يمنع وقوعها فهل يصبح استعراض القدرات العسكرية وسيلة لتسريع الحل السياسي في سورية؟