الإرهاب ..هو الإرهاب

syria-explosion 10-5-2012a

صحيفة الوطن العمانية ـ
رأي الوطن:
حين تزدوج النظرة إلى المسميات والتوصيفات، بما يعطي حالة من التناقض الفظ في السياسة، كما هي حالة الازدواجية الواضحة في السياسة الغربية حول “الإرهاب” تكون النتائج وخيمة وكارثية على الجميع، فالتناقض في المفاهيم والمصطلحات والذي غدا يميز سياسات عدد من الدول الأوروبية والولايات المتحدة أدى إلى تهديد مباشر للأمن والسلم الدوليين، وضرب استقرار دول وأسر وهدم تنمية وبناء، حيث أصبحت كلفة هذا التناقض باهظة تدفعه الدول والمجتمعات المكتوية بنار “الإرهاب”، ففي الوقت الذي تدعم فيه الولايات المتحدة ودول أوروبية “الإرهاب” في دول المنطقة كما هو جارٍ في سوريا وبشكل موارب تحت ذرائع واهية ومتناقضة مع الواقع والمنطق والعقل، وهي دعم “الديمقراطية والحرية وحقوق الإنسان” وغيرها من المصطلحات التي اتخذت مسوغات ومبررات، نجدها تعلن حالة الاستنفار داخل مجتمعاتها إما نتيجة لمعلومات استخبارية عن عمليات إرهابية وشيكة، وإما لوقوع حوادث إرهابية على النحو الذي رأيناه في اعتداء ماراثون بوسطن الأميركية الذي راح ضحيته ثلاثة أشخاص وأكثر من مئتي جريح، وتفجير السفارة الفرنسية في ليبيا، وكذلك الحال في أسبانيا التي قالت وزارة الداخلية إنها اعتقلت شخصين ناشطين في تنظيم القاعدة الإرهابي، وكندا التي أعلنت أنها أحبطت عملية إرهابية لاستهداف قطار ركاب أعده رجلان على علاقة بتنظيم القاعدة اعتقلا في تورونتو ومونتريال، وحادثة خطف المطرانين في سوريا من قبل شيشان تابعين لما يسمى “جبهة النصرة”، ومؤخرًا أعلنت كل من بلجيكا وهولندا وأستراليا اعتقال عدد من “الجهاديين”، بينما المفارقة هي أن هذه الدول تقف في خندق دعم التنظيمات المسلحة والإرهابية في سوريا. إن هذا يحدث حين يتم إعطاء “الإرهاب” أكثر من صيغة وأكثر من وصف، وأكثر من مسوغ ومخرج، تبعًا لتغير المكان والزمان والظروف، فالاعتداءات ضد المدنيين في الولايات المتحدة وأوروبا تصنف بأنها أعمال إرهابية، وفي غيرها كما هو الحال في سوريا تصنف بأنها “جهاد” وحق مشروع، فالذين ارتكبوا اعتداء بوسطن من أصل شيشاني ومن بين الذين يتم دعمهم في سوريا من أصل شيشاني. والأدهى والأمر أن من يعتبرون الإرهاب في دولهم إرهابًا ويحاربونه ويجففون منابعه، يدعمونه بالمال والسلاح ويوجدون البيئات الحاضنة ويشجعون أدواته في دول أخرى، ومكمن التناقض هو الادعاء بمحاربة “الإرهاب” والدعوة إلى مواجهته بالتصريحات أو بالإعلام فقط، وفي المقابل يتم دعمه من تحت الطاولة.
إن “الإرهاب” هو “الإرهاب”، لا يمكن أن يكون بردًا وسلامًا وحرية وديمقراطية وحقوقًا مشروعة في مكان، ونارًا وعدوانًا وظلمًا وانتهاكًا للأعراف والمبادئ والقوانين والشرائع في مكان آخر، فالحقيقة التي لا جدال فيها أن “الإرهاب” لا وطن ولا دين له، ومهما تغيرت مسمياته وتعددت مصطلحاته يبقى إرهابًا أينما حل وارتحل بأدواته ودماره وتخريبه، وكما هو مرفوض ارتكابه في مكان، كذلك هو مرفوض ومدان ارتكابه في مكان آخر.
إن الإرهاب ليس دليلًا على ازدواجية السياسة الغربية القائمة على الكيل بمكيالين فحسب، بل إنه أصبح أداة من أدوات السياسة الغربية الاستعمارية، حيث يتم تجنيد أدوات له وتحريكها في المكان والزمان الذي يريد المستعمرون استهدافه وتمزيقه على النحو الذي نراه الآن في العراق وليبيا وسوريا بقصد التدمير والتقسيم لتحقيق السيطرة والهيمنة على الدول المستهدفة، وللأسف أن المستعمرين قد وجدوا من يساندهم في بناء أدوات الإرهاب وتجنيدها ممن يتخذون الدين ستارًا، وممن يتخذون مناصرة الحق قناعًا، فاتخذوا من التغرير والتضليل وسيلة لتلويث عقول الشباب والأطفال وأفكارهم وتغييب الوعي عنهم، وأسلوبًا لتخديرهم وإيهامهم بجنان الخلد والفوز بالحوريات بعد نيل الشهادة، وبذلك نجحوا في إقامة قواعد الإرهاب على امتداد المنطقة بأسرها.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.