الإحتلال والهروب إلى الأمام: مزيد من الأزمات الداخلية!
موقع الخنادق:
يُعرّف مطلح “الهروب الى الأمام” بأنه ” الفرار من تحمل المسؤولية في اتجاه الإيحاء بالقيام بعمل أكثر أهمية أو في اتجاه مقاومة خطر أشد”. وقد يكون الهروب إلى الأمام وسيلة “لاستعطاف الآخرين”، وقد يؤدي دورا مهما في تضليل الناس لأنفسهم ولغيرهم. تقوم هذه السياسة على “الهروب من قراءة الواقع والأسباب الحقيقية لأي أزمة وتجاهل الحلول المنطقية واستبدال ذلك بالانتقال الى خطوة تراكم المشاكل والنتائج الكارثية دون أي حلول لما سبق”. وفي تعريف آخر تحدث هذه السياسة “في الظروف الصعبة والاستثنائية بسبب الإحباط وقلة الحيلة لدى الأشخاص الذين لديهم مستوى مرتفع ومفرط من التقدير والأنا الذاتي”.
في مراقبة سلوك المستويين السياسي والعسكري الإسرائيلي نلحظ أنهما اتبعا هذه السياسة من خلال عدوانهما على قطاع غزّة والشعب الفلسطيني الذي بدأ في الخامس من شهر آب / أغسطس 2022. وخلاله اغتال الاحتلال قائدان من الجناح العسكري لحركة الجهاد الإسلامي (سرايا القدس)، هما الشهيد تيسير الجعبري والشهيد خالد منصور الى جانب مجاهدين آخرين ومدنيين.
على المستوى السياسي
وصل كيان الاحتلال الى مرحلة انسداد أفق الأزمات السياسية مع اقتراب موعد انتخابات “الكنيست” للمرة الخامسة خلال 3 سنوات بعد استقالة وزير الحكومة السابق نفتالي بنيت وخسارة الائتلاف بين اليمين الإسرائيلي واليسار للأكثرية في “الكنيست” نتيجة تحالفاته غير المنسجمة وتراكم إخفاقاته في معالجة العديد من المشاكل الداخلية.
فلم يكن الارتباك أمام المقاومة الفلسطينية ومحور القدس التي زادت قدراتها العسكرية وتوسّعت معادلاته الاستراتيجية السبب الوحيد في تعالي الأصوات المنتقدة لأداء الحكومة إنما أيضاً المشاكل في الداخل المحتل مع تراجع مستوى “الأمن” بسبب جرائم المستوطنين والمشاكل الاقتصادية من غلاء الأسعار السلع والمواد الأساسية (المشتقات النفطية) وفاتورة الكهرباء.
على المستوى الشخصي لرئيس حكومة الاحتلال يائير لابيد، فإنه أراد من العدوان تثبيت نفسه في المنصب وشطب صفة “الرئيس الانتقالي” الضعيف الذي لا يستطيع المغامرة ومعالجة التحديات. كما دخل لابيد في العدوان لرفع حظوظه في البقاء في المنصب نفسه للحكومة القادمة وسحبه من سيطرة اليمين اليهودي عليه لأكثر من عقد، وخاصة مقابل منافسه الأول رئيس الحكومة الأسبق بنيامين نتنياهو الذي توقعت استطلاعات الرأي الأخيرة في الاعلام العبري أنه قد يحصل على 62 مقعداً في “الكنيست” المقبل.
في هذا السياق قالت تقول صحيفة هآرتس العبرية إنه “لا توجد وسيلة لتجنب الإشارة إلى أنَّ الأزمة في قطاع غزة تحاول أن تتعامل معها حكومة تصريف أعمال بقيادة يائير لابيد في “شكل جديد”، فهي تستعد لبداية حملة انتخابية وتصارع للبقاء، وقد تكون الحرب فرصة لا تتكرر لتفويت الفرصة على زعيم المعارضة، بنامين نتنياهو، بالفوز في انتخابات نوفمبر/تشرين الثاني القادم”. وأضافت “مع مرور كل أسبوع يظل لابيد فيه محصوراً في مكتب رئيس الوزراء، يكتسب مزيداً من النقاط في استطلاعات الرأي العام، فيما يتعلق بملاءمته للوظيفة، ويغلق قليلاً من الفجوة مع منافسه الرئيسي، نتنياهو”.
على المستوى العسكري
أمّا على المستوى العسكري، فقد سجّلت السنوات الأخيرة، وخاصة بعد معركة “سيف القدس” والعمليات الفدائية الفلسطينية في الداخل المحتل وتصاعد المقاومة في القدس والضفة الغربية المحتلّة، تراجع ثقة الجمهور بالجيش كما تراجع “قوة الردع” لديه. وقد برز ذلك في انتقادات الاعلام العبري للإجراءات الأمنية المشدّدة في غلاف غزّة عقب تهديدات حركة الجهاد الإسلامي رداً على اعتقال قوات الاحتلال لأحد كوادرها في الضفة بسام السعدي.
ذلك بالإضافة الى العددي من المشاكل الداخلية الكثيرة في الجيش ومنها تهرّب اليهود من التجنيد والحالات النفسية المنتشرة بين الجنود والعديد من الفضائح اللاأخلاقية.
اذاً، قرّرت مستويات الاحتلال “الهروب الى الأمام” من مشاكلها الداخلية عبر خلق أزمة في المنطقة وفي الجبهة الجنوبية (قطاع غزّة). وعلى الرغم من بعض الضربات التي يتوقع الاحتلال من خلال أن يرمم صورته المتضعضعة فإن الوقت لن يطول قبل أن تتكشّف النتائج العكسية للعدوان التي تغرق الاحتلال في مزيد من المشاكل والأزمات الداخلية والاستراتيجية.