“الأنباء”: “مذكرة بكركي الوطنية”…نداء جديد.. وثيقة تاريخية.. برنامج رئاسي؟
يمكن التشكيك في قدرة «المذكرة الوطنية» الصادرة عن بكركي أمس الأول على إحداث خرق في الواقع الوطني والأزمة المتراكمة فصولا وأحداثا، أو على قدرتها في تحسين الوضع المسيحي وانتشاله من «القعر» مادامت لا تتوافر خطة عمل وآليات تنفيذية، ولكن لا يمكن التقليل من شأن وأهمية الخطوة التي أقدمت عليها البطريركية المارونية، توقيتا وشكلا ومضمونا:
1 – مذكرة بكركي جاءت في توقيت دقيق وحساس على المستويين اللبناني والإقليمي وفي عز احتدام الأزمات والصراعات الإقليمية التي تقدم فيها وطفا على سطحها الصراع السني – الشيعي، ولبنان معني أكثر من غيره بهذا الصراع الممتد والمتفرع من الأزمة السورية وبات في عين العاصفة وفي قلب أزمة وجودية.
ومن هنا فإن أهمية هذه المذكرة أنها ترسم وتحدد الإطار الوطني – السياسي لموقف المسيحيين ودورهم في هذه المرحلة، وحيث ان المسيحيين لا يمكن أن يكونوا فريقا وملحقين بهذا الطرف أو ذاك، وإنما أن يؤدوا دور الجسر والتهدئة والتفاعل الإيجابي.
2 – في الشكل تتميز هذه المذكرة عما سبقها من مذكرات ووثائق ونداءات بأنها «شاملة وعملية ومدروسة»، فمن جهة تتصف بشمولية وإحاطة للأزمة الوطنية من جميع جوانبها وأبعادها.
ومن جهة ثانية لا تكتفي بتوصيف المشكلة والشكوى والتذمر وإنما تتوخى تحديد «العلاج» ووضع نقاط الحل على حروف الأزمة.
ومن جهة ثالثة بدت المذكرة «مشغولة» بطريقة احترافية وبأسلوب متقن، وعباراتها منتقاة بدقة وعناية، وعلى سبيل المثال عندما ذكرت القرارات الدولية اكتفت بالقرار 1701 وأغفلت القرار 1559، وعندما تحدثت عن صلاحيات رئاسة الجمهورية لم تقل بـ «تعزيزها وتقويتها وإنما بإعادة نظر من ضمن تطوير الطائف وسد الثغرات التطبيقية في الدستور»، ولم يقل بـ «تعديل الدستور».
3 – في المضمون، حفلت مذكرة بكركي بمضمون وطني وسياسي مكثف هيمنت عليه «الميثاقية» (تعبير جديد يقتحم القاموس اللبناني)، وبسيل من الأفكار المتدفقة بطريقة سلسة مترابطة.
والأهم والجديد في هذا المضمون بعد مقدمة طويلة تعيد التذكير بالثوابت والميثاق والصيغة وبالهواجس الراهنة:
٭ الحياد الإيجابي للبنان المرتكز على قوته الدفاعية بدعم الجيش وسائر القوى الأمنية، والملتزم بالقضايا العربية وخاصة القضية الفلسطينية.
٭ تحييد لبنان عن الصراعات والمحاور الإقليمية كما نص عليه «إعلان بعبدا».
٭ العودة الى جوهر الميثاق: لا شرق ولا غرب ولا استقواء بالخارج ولا تفرد في الداخل.
٭ حصرية القوى العسكرية في يد الشرعية وبناء جيش عصري وقوي ومجهز.
٭ تطبيق المناصفة الفعلية في المشاركة المسيحية – الإسلامية في الحكم والإدارة، ووضع قانون انتخابات جديد يترجم هذه المناصفة ويلغي فرض نواب على طوائفهم بقوة تكتلات مذهبية.
٭ إقرار وتطبيق اللامركزية الإدارية الموسعة التي تعطي «المناطق» صلاحيات أوسع.
٭ استكمال تطبيق الطائف وتطويره وسد الثغرات الدستورية والإجرائية التي ظهرت في تجربة ممارسة الحكم بما في ذلك صلاحيات رئيس الجمهورية.
٭ انتخاب رئيس جديد للجمهورية من ضمن المهلة المحددة دستوريا وخارج أي جدل دستوري.
هذه المذكرة تكتسب مواصفات نداء جديد صادر عن بكركي تضاف الى نداءات المطارنة مع قيمة مضافة، ويمكن اعتبارها وثيقة تاريخية تضاف الى وثائق كثيرة صدرت بعد العام 2005، ويمكن اعتمادها ورقة عمل للفريق المسيحي المحاور في هيئة الحوار الوطني «مع الإشارة الى أن أي تعليق لم يصدر عن الزعماء الموارنة، وأن الرئيس سليمان والرئيس الحريري كانا السباقين الى الترحيب».
كما يمكن اعتبارها برنامجا رئاسيا متكاملا للرئيس الجديد الذي حددت بكركي مواصفاته ومهمته وتريده خارج أي تعديل للدستور. فلماذا لا يكون البطريرك الراعي «مكاريوس لبنان»؟