الأمم المتحدة: موسم الخطابات أم سوق نخاسة؟
صحيفة الوطن العمانية ـ
رأي الوطن:
الشأن العربي في اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة كان لافتًا فيه ذلك الخفوت الملحوظ على صعيد القضية الفلسطينية، حيث كان الحياء باديًا على محيا بعض كلمات الوفود العربية التي ألقيت عند تعريجها على معاناة الشعب الفلسطيني، بينما كان شطب القضية واضحًا في بعض الكلمات، وبدل أن يتم التركيز على القضية المركزية للعرب واستغلال هذا الموسم الخطابي في تعرية الممارسات غير الإنسانية وفضح جرائم الحرب وانتهاكات الاحتلال الإسرائيلي بحق الشعب الفلسطيني، راحت الأصوات العربية تغرد خارج المسار لتلتقي مع كلمات حلفاء الاحتلال الإسرائيلي وداعميه الذين يسعون الآن بكل جهد ممكن ومسخرين كل إمكاناتهم الاقتصادية والعسكرية والسياسية والدبلوماسية إلى تقويض استقرار المنطقة وتفتيتها وإنهاك جيوشها القوية، بل وحلها حتى لا تقوم قائمة لدول المنطقة ولا تعرف طريقًا لاستقرارها، ولا دربًا لتنميتها، ولا سبيلًا إلى وحدتها، من أجل بقاء المستعمرة الإسرائيلية الكبرى في الشرق الأوسط هي الأقوى، بما يضمن لها البقاء إلى الأبد ـ كما يتوهمون ـ، فتقزم أمامها كل دول المنطقة. فأن يتسيد ملف الأزمة السورية اجتماعات الجمعية العامة دون غيره، وتحديدًا القضية الفلسطينية، ففي هذا إجحاف وظلم كبيران بحق الشعب الفلسطيني، ذلك أن القاسم في معاناة الشعبين السوري والفلسطيني هو ما يسمى بالمجتمع الدولي الذي لا تزال فيه أطراف تعطل وتقف عقبة في نيل هذين الشعبين حقوقهما وحريتهما، فقد رأينا أن الأطراف التي تدعم العنف في سوريا وتشجع المجاميع المسلحة على القتل وسفك دماء الشعب السوري وتدعمها بالمال والسلاح، وتجند وتدرب المزيد من الإرهابيين والمرتزقة لتمزيق سوريا وقتل شعبها وتهجيره، وتعرقل سبل الحل السياسي القائم على الحوار الوطني، هي ذاتها التي تدعم الاحتلال الإسرائيلي بالمال والسلاح وبالسياسة والاقتصاد، وتمالئه وتنحاز إليه وتتبنى شروطه التعجيزية لحل الصراع العربي ـ الإسرائيلي، مع فارق أن هناك اطرافًا عربية وإقليمية تتحالف مع الأطراف الدولية المحرضة للقتل والمعرقلة للحل السياسي في سوريا.
في الحقيقة مزعج أن تمتلئ أروقة الجمعية العامة بدموع التماسيح على قضايا شعوب ودماء تراق يقف وراءها هؤلاء الذين يذرفون هذه الدموع للمتاجرة بدماء وحقوق شعوب بريئة، والذين تخالف أقوالهم أفعالهم، بينما هم في الحقيقة مخالب القط في مأساة من يذرفون عليهم دموع التماسيح، وفوق ذلك يتجاهلون عمدًا القضايا الإنسانية؛ قضايا التنمية والاقتصاد واستقرار شعوب العالم، وقضايا الجهل والمرض والفقر التي لا تزال تفتك بملايين البشر في هذا الكون. ومؤلم أن تضج أروقة الجمعية العامة للأمم المتحدة التي أحد أسسها ومرتكزاتها التي قامت عليها حماية الشعوب ودعم الاستقرار والسلم الدوليين، بأبواق الحرب والدمار والتحريض على العنف والقتل، وخنق كل صوت ينطق بالحق والعدل والمنطق والحكمة، ويدعو إلى الحوار والمعالجات السلمية للقضايا.
السؤال الذي يطرح نفسه إزاء هذا الراهن هو: إلى متى ستظل الجمعية العامة للأمم المتحدة سوقًا تكون فيها الكلمة الأعلى لتجار الحروب والدمار ودماء الشعوب وحقوق الإنسان، وسماسرتها، ويتم غش الأصفياء والأنقياء ببضاعة مغشوشة؟ نأمل أن تتطهر ليست الجمعية العامة وحدها وإنما جميع المؤسسات والمنظمات الدولية سريعًا من النخاسة والغشاشين، ويحل محلهم ذوو المبادئ والقيم والأخلاق القويمة والحكماء الذين يحبون الخير والعدالة والحرية للآخرين مثلما يحبونها لأنفسهم دون أجندات ومشاريع دنيئة خبيثة ومدمرة.