“الأمانة”.. اسمٌ على مسمّى
موقع العهد الإخباري-
ليلى عماشا:
مع دخول الدفعة الأولى من صهاريج كسر الحصار إلى لبنان، والمحمّلة بالمازوت، ومع تولي شركة “الأمانة” مهمّة توزيعها وبيعها بحسب الآلية التي كان السيّد الأمين قد أعلن عنها، تحوّلت الصهاريج التي تحمل علامة “الأمانة” إلى رمز ينطق بالحبّ وبالعزّة، فالشركة تؤدي مهمتها بأمانة لا تعرف الحدود، وتتجاوز عن الكثير من الكلام المغرِض بحقّها لخدمة النّاس، وتنفيذ الوعد الصادق.
التحقت “الأمانة” الآن بجيش المؤسسات التي تتولّى صون كرامات الناس وحمايتها باسم حزب الله. بمعزل عن مؤسسة العسكر، والتي لا تحتاج إلى شهادة في كلّ ما بذلته خدمةً للناس وللأرض ولإحقاق الحق، وفي سياق مواجهة الإرهاب الاقتصادي الذي تمارسه أميركا ضد لبنان بشكل مباشر (الحصار والعزل) أو عبر أدواتها (منظومة المصارف – فريق عوكر الإعلامي والسياسي) يفرض الحديث عن الأجنحة المدنية للحزب نفسه. والمقصود بالأجنحة المدنية هي المؤسسات التي تعنى بشؤون الناس المعيشية والحياتية والإنسانية، من “الهيئة الصحيّة الإسلامية” وخدماتها الطبية العابرة للحدود الطائفية والسياسية داخل الأرض اللبنانية إلى “مؤسّسة القرض الحسن” التي حافظت وتحافظ على أموال مودعيها وتعين كلّ من يقصدها ضمن الأطر المتاحة للقروض ودعم المشاريع الصغيرة، ومن “وعد” التي أعادت الضاحية بعد تموز ٢٠٠٦ “أجمل ممّا كانت” إلى “الأمانة” التي تجوب صهاريجها القرى والبلدات لتوزيع هبات المازوت حيث تدعو الحاجة، وتؤمن سعرًا ثابتًا للصفيحة الواحدة يغني عن الاشتراك في جريمة التعامل مع السوق السوداء ويعفي الناس من مزاجية منصّات تسعير الدولار التي تتلاعب بمصيرهم وبأموالهم وبلقمة عيشهم بعد أن حدّدت الدولة اللبنانية سعرًا متحرّكًا لصفيحة المازوت يعادل ١٢ دولارًا.
تبادل ناشطو وروّاد منصّات التواصل صورًا مختلفة تظهر صهاريج وآليات لشركة الأمانة في مختلف المناطق اللبنانية. عمليًا، لقد أسقطت هذه الصهاريج كلّ الحدود التي اجتهد في رفع أسوارها المتأمركون في البلد طيلة أعوام. وما بيان حزب “القوات اللبنانية” بالأمس والذي جاء عقب توجيه رئيس بلدية الفرزل الشكر إلى حزب الله، إلّا دليل على خيبة الكثيرين في البلد. فقد أثبت حزب الله مرّة جديدة أنه جهة لا تقف عند ما يقوله السفهاء من أيّ قوم، جهة معنيّة بالناس، بكلّ الناس، ولا فرق عنده بين ابن طائفة وأخرى، أو بين منطقة محسوبة له ومنطقة تمّ تحريض أهلها ضدّه.
من مجلس النواب الذي تعثّرت مولّداته إلى البلديات في القرى البعيدة، ومن دور العجزة والمسنّين والأيتام إلى المؤسسات الرسمية، لم تتأخر “الأمانة” عن تأدية ما تراه واجبًا في تقديم العون، سواء رضي الآخرون أم حزنوا. وما أشدَّ حزن من هالهم أن يكسر حزب الله الحصار عن أهل البلد ويكسر معه كلّ ما شيّدته عوكر من حدود أرادت من خلالها عزل حزب الله وبيئته عن سائر مكوّنات المجتمع اللبناني.
في آب ٢٠٠٦، ومن على ركام الأبنية ودمنا، وقف سيّد النصر وأهدى النّصر لكلّ الناس. حتى أولئك المحسوبين على قيادات وزعامات ابتهجت بالعدوان أو على الأقل استأنست باحتمال أن ينجح العدو بتدمير المقاومة. يومها، كان الترفّع عن خطايا الغارقين في بؤس الخيبة مدرسة في الأخلاق الوطنية، وفي عدم مؤاخذة الناس بما فعل أو قال السّفهاء من قياداتهم.
واليوم، الحرب الإقتصادية التي تستهدف الغالبية العظمى من اللبنانيين لا تختلف كثيرًا عن حرب تمّوز من حيث الأهداف ومن حيث حجم الأذى الذي يتراكم. ولذلك، كان تعاطي حزب الله في مواجهة الأزمة يتبع نفس القاعدة الأخلاقية التي اتبعها بعد نصر تموز ٢٠٠٦. وكما أهدى النصر للجميع، يوزّع اليوم مادة كسر الحصار على الجميع، دون استثناءات سياسية أو طائفية أو مناطقية. وبهذا يتفوّق كما دائمًا على كلّ أنواع ومستويات ومراتب الخصومة والاإنقسامات في البلد، ويبني، مرة جديدة، نموذجًا مختلفًا من التعاطي مع كلّ مكوّنات البلد.
هو نموذج يليق به أن يسمّى باسم المؤسسة التي تنفّذ برنامجه: الأمانة. والأمانة تعني المسؤولية المقترنة بالوفاء، وترتبط حكمًا بالأخلاق العالية وبالقيم الإنسانية وبتجاهل الإساءات التي يرتكبها صغار القوم كـ “صيصان عوكر” وبالذهاب في التضحية والإيثار إلى أقصى الحدود، وبالشفافية والالتزام في تنفيذ المهام من دون وقوف عند تفاصيل مهما كبرت تبقى صغيرة مقارنة بالعلوّ القيميّ لمفهوم “الأمانة”.