اطفال سوريا.. ’قنابل موقوتة’
أخطر مشروع لضرب الطفولة في سوريا … مختوم بـ’صناعة التكفيريين’
موقع العهد الإخباري –
محمد كسرواني:
التكفيريون في سوريا ما عادت مهمتهم تقتصر على القتال لاسقاط النظام أو “بناء الدول الإسلامية”. فما نشهده اليوم من خلال الفيديوهات التي تنشر على مواقع التواصل الاجتماعي، وما ينقله السوريون أنفسهم، هو نقلٌ للفكر التكفيري المتشدد الى فتية اعتادوا على العيش وسط مجتمعات طبيعية متنوعة. فالتكفيريون والمتطرفون باتوا في المناطق التي يسيطرون عليها في سوريا هم الأساتذة لطلاب المدارس و”المرشدين الروحيين” لعينة كبيرة من الآخرين!
فبين تعليم الأطفال سياسة تكفير الآخر وطرده من دياره، والإجازة لهم بالتنكيل بالجثث وقطع الرؤوس وحرقها و”شيّها”، تصوّب هذه الجماعات التكفيرية سهامها على تدمير البنية الأساسية للطفل. كما أنها بهذه الممارسات باتت تضرب مفهوم قيمة الإنسان في سوريا، وتخلق مفهوماً جديداً لما يجب ان يكون عليه. والنتيجة تكون هنا أن ما تعده هذه الجماعات التكفيرية هو “قنابل موقوته” قد لا تكون عواقبها محمودة إذا ما تم تفكيكها وإعادتها الى بنيتها الأصلية، في القريب العاجل.
ما يفعله التكفيريون بالفتية في سوريا هو أخطر مشروع لضرب البنية الشابة في المنطقة. المدير السابق لمعهد العلوم الإجتماعية والدكتور في علم الاجتماع التربوي وعلم النفس الاجتماعي طلال عتريسي يعتبر أن الطريقة في التربية والإعداد التي ينتهجها التكفيريون مع الأطفال (اكبر من 12 سنة) تهدف الى دمج الفتيان بالعمل المشترك مثل العمل العسكري، أو ما يسمونه هم بـ “الجهاد”. فهم برأيه “يسعون الى إقناع الفتية بمدأ “التكفير” الذي يفهمونه أنه مبدأ إلغاء وعزل وإبعاد لكل مختلف عنهم”، وينبه عتريسي إلى أن “تربية الفتية بهذه الطريقة تدفعهم للعيش في مجتمع مغلق دون الآخرين انطلاقاً مما علموهم من قتل الآخرين ونفيهم”.
اما الاختصاصي في علم النفس العيادي الدكتور نبيل خوري، فيرى بدوره أن ما ينتهجه المتطرفون والتكفيريون من سلوك حيال الأطفال يهدف بصورة مباشرة الى تعزيز فكرة العنف وكسر قيوده. ويوضح رأيه بالقول إن “الولد عندما يكون صغيراً يكون مثل “المعجونة” القابلة للثقب وللنحت وللتغير. فالإنسان بطبيعته ميال الى العنف في التعبير عن طاقاته ورغباته، بما يشمل فرض شخصيته وخصوصاً خلال فترة المراهقة والنضوج. فالعنف يكون هنا وسيلة للتعبير. وما يحد من هذه السلوكيات العنفية ويردعها هو وجود قوانين وأنظمة تحاسب وتعاقب مثل تلك التي نعايشها في المنزل والمدرسة أو المتمثله بقوانين الدولة. وهنا يستنتج الولد تلقائياً أن العنف ليس الوسيلة الوحيدة للتعبير بل هناك وسائل اخرى”. فالتكفيريون برأيه يحاولون إلغاء هذه القوانين والسماح للعنف في إطار يخدم مصالحهم.
وعن سبب اختيار شريحة الفتية تحديداً من المجتمع للعمل على تحويل طبيعة سلوكها، يشرح الدكتور خوري أن هذه الشريحة غالباً ما تكون قابلة للتغير وتقبل الأمور سريعاً. ويضيف “في هذه المرحلة من العمر يكون الولد عرضة للتقلبات الفيزيولوجية والهرمونية ما يجعله أكثر قابلية لأي فكرة جديدة كالقيام بأعمال الحقد والضغينة التي تزرع والشحن المذهبي والتحريض الطائفي وتصل الى حدّ تقبل فكرة إلغاء الآخر، والاقنتاع يأن هذا الإلغاء يمكن تطبيقه بكل الوسائل المتاحة”.
ويختصر الدكتور خوري ما يعمل عليه التكفيريون بـ 3 مراحل. المرحلة الأولى هي “مرحلة الشحن المذهبي والطائفي”. اما المرحلة الثانية فهي مرحلة “تجنيد الفكر الإنساني وتجييش الغريزة وقوننتها باتجاه تنفيسي”. والمرحلة الثالة والأخيرة هي “تحويل الفتية الى مطية لرغبات السياسيين وغير السياسيين ضمن إطار إيهامهم بأنهم في بيئة حاضنة”.
أما عن مخاطر نقل الفكر التكفيري الى الأطفال فيرى الدكتوران عتريسي وخوري ان هذا الفكر ينتج عنه قتلة منعزلين عن مجتمعهم رافضين صيغة العيش المشترك. ويقول المدير السابق لمعهد العلوم الاجتماعية إن أهم مخاطر هذا الفكر أنه سيدفع الأطفال لعدم تقبلهم البيئة المختلطة “فالأكبر منهم سناً (معلموهم واساتذتهم) عاشوا في بيئة مختلطة، أما هؤلاء فلم يعيشوها، فلا يوجد عندهم معيار لمقارنة ما يدرسونه وما يعرفونه مسبقاً، وهنا يصبح كل ما يتلقونه بنظرهم صحيحاً وغير قابل للنقد”.
ويتابع “هذه الممارسات (تعليم الفكر التكفيري) تخالف طبيعة المجتمعات لأن قوام المجتمع هو التنوع، حينها سيصبحون امام حلّين إما الغاء المجتمع أو الانسحاب منه الى اماكن يجدون فيها من يشبههم، اي الى محاور القتال التي يجتمع فيها التكفيريون وإن كانت خارج حدود وطنهم. ولأن ما يتعلمونه هو فكر تكفيري مجرم، فإن سفرهم من دولة الى اخرى تحت مسمى “الجهاد” يصبح جائزاً وواجباً”. وفي حال استمرار الازمة في سوريا يرى الدكتور عتريسي أن المجتمع السوري ذاهب الى “التطرف والتمزق” ويسأل “كيف سيكون العيش في المناطق التي يسيطر عليها التكفيريون؟”.
ما يطرحه الدكتور عتريسي يتوافق الى حد كبير مع ما يصفه الدكتور خوري بأنه الفكر التكفيري الذي ينقل الى الأطفال والذي سيخلق “أدوات قتل لا تفكر” مهمتها التنفيذ دون النقاش”. فالأطفال برأيه سيصبحون “شريحةً ترفض تقبل الآخر أو النقاش معه، ما يفسر عندها وجود جيل من المجرمين والقتلة أو الفاشلين والمتقوقعين المنزوين خوفاً من أنفسهم على المجتمع ومن المجتمع عليهم”. ويضيف الاختصاصي في علم النفس العيادي “أن هذه الممارسات التكفيرية مصيرها محكوم بالفشل في انشاء بيئة اجتماعية سليمة، وعلى المدى البعيد ستولد طبقة اجتماعية تشكل عبأً على المجتمع الذي يرعاها من الناحية المادية والمعنوية”.
اساليب الحل والحد من هذه الظاهرة، وإن لم تكن سهلة، فإنها برأي عتريس وخوري ستكون فعالة مع أغلب الفتية. الدكتور عتريسي يعتبر أن الحل يكون عبر “تفعيل برامج وحملات توعية تقودها جمعيات كبيرة والمدارس، تهدف الى إعادة صياغة فكرة العيش المشترك، والتحذير من القيام بالأعمال العنفية كالقتل والذبح وغير ذلك”، وبالرغم من “أن اغلبهم (الفتية) لن يقبلوا بسهوله الانضمام الى هذه الجمعيات بسبب ما عملوه فإن على المدارس والجمعيات أن توجد حافزا ترغيبيا لدى هؤلاء الأطفال بغية جذبهم”. وإذ يرى أن ” على المجتمع أن يتقبل وجودم بينه خلال عملية الإصلاح”، يربط بين كل هذه الإصلاحات و”السلطة القوية الداعمة للحلول المعاقبة لكل من يروّج لمثل هذه الممارسات”.
ويتبنى الدكتور خوري طرق العلاج التي ذكرها الدكتور عتريسي، ويوضح ان هذه العلاجات يجب أن تقدم حسب درجة توغل الأولاد في أعمال العنف والقتل. ويشير الى أن الأطفال الذين أقبلوا على أعمال الإجرام والقتل والذبح وغيرها سيحتاجون الى مشاريع تأهيل جماعية ممولة من المجتمع الدولي. اما الذين لم يتوغلوا في مثل هذه الأعمال فسيكونون أكثر وأسرع قابليةً للتغير وتقتصر معالجتهم على المدارس والجمعيات.
إذاً إن ما يصنعه التكفيريون في سوريا هو أخطر مشروع لضرب بنية وبيئة الطفل. فمشروعهم الذي يقوم على تخريج أفواج من “القنابل الموقوتة” قوامه فكر تكفيريّ واضطراب في الوضع الأمني. فأي مستقبل لسوريا … بوجود هؤلاء ؟
لمشاهدة الفيديو إضغط هنا