’اسرائيل’ امام تحدي وحدة الجبهات في سوريا ولبنان: صواريخ ’ياخونت’ نموذجا
التصريحات التي ادلى بها ضابط رفيع في سلاح البحرية الاسرائيلية عن امتلاك حزب الله صواريخ “ياخونت” المتطورة، وعن سيناريوهات يتدرب عليها جيش العدو كل اسبوع كشفت مجموعة من الحقائق تساعد على فهم تطورات سابقة، وتضيء على معادلات لاحقة.
من جهة، ينطوي حديث الضابط الاسرائيلي على اقرار وتفسير لامتناع العدو حتى الآن عن الذهاب بعيدا في اعتداءاته، وانكفائه عن الرد على ردِّ حزب الله. خاصة وأن أي اعتداء يأتي وفق هذا العنوان سوف يحوي منسوبا مرتفعا من التدحرج نحو مواجهة واسعة، وإن بقدر. وعلى ذلك، بات على قيادة العدو أن تحدِّد مسبقا ما إذا كانت على استعداد فعليٍّ للذهاب نحو مواجهة بهذا الحجم، في ظل تصميم حزب الله على الرد على الاعتداءات الاسرائيلية، بما يسقط النظرية التي يتبناها العدو ويعمل بموجبها حول ان انشغال حزب الله بمواجهة الخطر التكفيري قد تدفعه للتراجع والانكفاء أمام اعتداءات اسرائيلية محددة.
وبعبارة أخرى، يمكن القول أن الكثير من المواقف التي يطلقها قادة العدو، ومن ضمنهم مواقف الضابط في سلاح البحرية، تنطوي على تفسير للرأي العام الاسرائيلي سبَّب وجود ردع متبادل جدي مع حزب الله. ومن جهة أخرى، يبين لهم حجم الخسائر والاضرار التي يمكن أن تلحق بـ”إسرائيل” في حال نشوب مواجهة مع حزب الله، وبالنتيجة سبَّب انكفاء قيادة العدو عن اتخاذ قرار بالدفع نحو مواجهة واسعة.
الى ذلك، يؤكد الضابط، بموجب المعلومات التي أدلى بها، مستوى الجدية والخطورة التي ينظر اليها العدو الى قدرات حزب الله التي تقر الاجهزة الاستخبارية والعملانية في الكيان أنها في مسار تصاعدي على المستويين الكمي والنوعي. وقد تكون هذه المرة الاولى في تاريخ اسرائيل التي تشعر بها ان سلاحها البحري وسائر اهدافها الاستراتيجية البحرية تتعرض لهذا المستوى من التهديدات.
على الرغم من محاولات العدو الفصل بين الجبهتين السورية واللبنانية، إلا أن هذه المواقف، اكدت من الناحية العملية أن قيادة العدو تدرك وجودها أمام ساحة مواجهة واحدة، في سوريا ولبنان، ولم يعد هناك ما يضمن لها ألَّا تتدحرج أي مواجهة في أي من الساحتين نحو مواجهة شاملة مع الساحة الاخرى. وعلى المستوى العملاني ايضا، ينطوي هذا الاقرار على الكثير من التحديات انطلاقا من اتساع دائرة التهديد من الناحية الجغرافية بما يُصعِّب على العدو احتواءها، خاصة وأننا نتحدث عن ساحة جغرافية واسعة جدا في الساحة السورية.
وعلى الرغم من أن العدو لم يتناول حتى هذه المرحلة، امكانية تعرضه لصواريخ ارض – ارض من الساحة السورية، لكن حديث الضابط الاسرائيلي في سلاح البحرية عن امكانية التعرض لصواريخ ارض – بحر انطلاقا من سوريا، يدفع الى الاعتقاد بأن هذه الفرضية ايضا حاضرة لدى قادة وجيش العدو. وبالتالي نحن أمام معادلة استراتيجية جديدة؛ ما يرفع من مستوى الاخطار التي قد تواجه العدو في أية مواجهة مقبلة. واذا ما اضفنا الى هذا الاقرار كشف مستشار الامن القومي السابق اللواء غيورا ايلاند عن أن تطور قدرات حزب الله الصاروخية تتقدم على منسوب التطور الذي أحرزه جيش العدو منذ حرب 2006، بالمعنى النسبي للكلمة، يضيء لنا على الصورة القاتمة الحاضرة لدى مؤسسات القرار في “تل ابيب”، ويوضح لنا هذه العقلانية التي هبطت على جيش العدو ازاء الساحة اللبنانية، دون إغفال وتجاهل حقيقة القدرات الهائلة التي يتمتع بها جيش العدو، وقراءته للظروف المحيطة بحزب الله.
في سياق متصل، يطرح هذا الكشف عن فرضية العمل لدى جيش العدو – انضمام الساحة السورية الى المواجهة في حال نشوب حرب مع حزب الله – عن جدوى وفعالية الاعتداءات التي يمارسها العدو على الساحة السورية. اذ ما دام العدو يستهدف ما يفترض أنه يعرفه عن نقل صواريخ نوعية ومتطورة قادرة على كسر التوازن مع حزب الله، في الاراضي السورية، لكن بعد هذا الاعلان الاسرائيلي، بات كل سلاح صاروخي على الاراضي السورية مصدر تهديد لاسرائيل، في حال نشوب مواجهة مع حزب الله. فضلا عن أن نتنياهو سبق أن أقر بأن اسرائيل تستهدف ما تعرف أنه في طريقه الى حزب الله في لبنان. وهو ما شكل اقرارا بأن اسرائيل لا تعلم بطبيعة وحجم كل ما يتم نقله، وبحسب صحيفة يديعوت احرونوت في حينه، فإن ما تستهدفه اسرائيل يشكل نقطة في بحر قدرات حزب الله.
في المقابل، ينبغي التأكيد على أن ما تقدم لا يعني أن تل ابيب ستتوقف عن اعتداءاتها ضد ما يمكنها كشفه من عمليات نقل سلاح نوعي إلى لبنان، إلا أن ذلك سيكون محدود الجدوى، لأكثر من سبب: الاول أن لا أحد يعلم مدى نجاح هذه الضربات في تحقيق أهدافها وهو من أسرار المقاومة. والثاني، أن ما يرد الى لبنان أكثر بكثير مما يعرفون عنه، وهذا ما يقرون به. والثالث أن ما لا يتم نقله ويبقى في الاراضي السورية، لا يعني أنه ليس جزءا من منظومة الصواريخ التي يمكن أن تستخدم ضد اسرائيل في مرحلة من المراحل، وبالتالي يمكن ايضا أن ينضم الى المواجهة وبالتالي تتسع الدائرة لتشمل سوريا ولبنان، الامر الذي سيضع اسرائيل أمام تهديدات تفوق بكثير ما واجهته في العام 2006.