اتفاق الغاز البحري بين روسيا وسوريا يدعم الأسد
في 25 كانون الأول/ديسمبر تم التوقيع على اتفاق بين روسيا وسوريا يسمح بالتنقيب والحفر في منطقة قبالة الساحل السوري. وإذا تم اكتشاف النفط أو الغاز الطبيعي، فإن المجموعة الروسية “سيوزنفتاغاز” التي تسيطر عليها الدولة سوف تمتلك حصة مسيطرة لمدة خمسة وعشرين عاماً.
ولا تذكر التقارير قيمة ما دفعته الشركة مقابل الرخصة، كما لا تشير إلى ما إذا كان قد تم تقديم أي عروض منافسة أخرى. وقالت وكالة الأنباء السورية إن “سيوزنفتاغاز” سوف تستثمر 15 مليون دولار لتغطية تكاليف الدراسات المسحية و75 مليون دولار أخرى لأعمال الحفر الأولية.
وهذا الامتياز هو الأول الذي يتم التوقيع عليه ويتعلق بالمناطق البحرية الواقعة قبالة ساحل سوريا على البحر الأبيض المتوسط. يشار إلى أن حقول النفط والغاز البرية الحالية في البلاد تقع في حوض نهر الفرات، وهي صغيرة الحجم بالنسبة لمعايير الشرق الأوسط، وتخضع حالياً لسيطرة الثوار المعارضين لنظام الأسد. كما أن مجلس الأمن الدولي فرض حظراً على صادرات أي من موارد النفط والغاز السورية.
وعلى الرغم من الاستعراض الكبير للدعم الروسي المقدم للحكومة الحالية في سوريا، إلا أن الاتفاق لا يشير إلى أي تغير مفاجئ في الحظوظ الاقتصادية لنظام الأسد. وحتى في حال اكتشاف النفط أو الغاز الطبيعي بكميات تجارية، فإن الإنتاج لن يبدأ إلا بعد سنوات عديدة. وقد أدان “المجلس الوطني السوري” المعارض هذا الاتفاق.
احتمالات الاكتشاف
يتوقع محللو الطاقة إمكانية اكتشاف الغاز الطبيعي والنفط في هذه المنطقة الواقعة شرقي البحر المتوسط، والتي تشكل الجزء الشمالي من “حوض بلاد الشام” حيث توقعت دراسة أجرتها “هيئة المسح الجيولوجي الأمريكي” في عام 2010 أن المنطقة تحتوي على ما يصل 1.7 مليار برميل و122 تريليون قدم مكعب من الغاز الطبيعي الذي يمكن ضخه.
وقد تم اكتشاف نحو 35 تريليون قدم مكعب قبالة ساحل “إسرائيل” و5 تريليون قدم مكعب أخرى قبالة ساحل قبرص. وسوف تبدأ عمليات الحفر البحرية للتنقيب عن النفط قبالة ساحل “إسرائيل” خلال العام المقبل.
وفي مطلع هذا الشهر، أعلنت شركة “نوبل إنرجي”، وهي الشركة الأمريكية التي تقود تحالفاً مع شركات إسرائيلية، عن توقعها اكتشاف نحو 1.5 مليار برميل من النفط والغاز السائلين في حقل تحت قاع البحر في المنطقة الاقتصادية الحصرية لـ”إسرائيل” ورقم مماثل لحقل في المنطقة الاقتصادية الحصرية لقبرص.
التأثير على التوترات الإقليمية
يمكن أن يؤدي الاتفاق الموقع بين روسيا وسوريا إلى تفاقم التوترات الإقليمية المتوترة بالفعل المرتبطة بالغاز الطبيعي البحري، إلى جانب إدخال عامل جديد في سياسات مفاوضات السلام السورية. إذ أن لكل من “إسرائيل” ولبنان مزاعم متعارضة بشأن موقع حدودهما البحرية.
وفي مطلع هذا الشهر، أجرت سفينة مسح تركية، ترافقها فرقاطة بحرية تركية، “عمليات استكشاف بالطريقة الزلزالية” [هندسة بترولية] في البحر الأبيض المتوسط، جنوب جزيرة قبرص، في منطقة تعتبرها نيقوسيا أنها تقع ضمن منطقتها الاقتصادية الحصرية.
وتفيد التقارير بأن الاتفاقية الجديدة بين روسيا وسوريا تتعلق بمنطقة تبلغ مساحتها 845 ميلاً بحرياً مربعاً وهي جزء من منطقة “البلوك 2″ الأكبر، التي تقع تقريباً بين مينائي بانياس وطرطوس السوريين.
ولم تتوصل سوريا إلى اتفاقات بشأن حدودها البحرية مع جيرانها – قبرص وتركيا ولبنان – لكن “البلوك 2″ لا يجاور في الجنوب ما يمكن أن تعتبره لبنان مياهها كما أنه غير متاخم للساحل التركي في الشمال.
ومع ذلك، فإن المنطقة قد تتعارض مع المزاعم التركية بشأن قبرص، والتي لا تعتبرها أنقرة أكثر من كونها مياه إقليمية تمتد اثني عشر ميلاً بحرياً من الساحل.
ومن المرجح أن ترى واشنطن أن المشاركة الروسية في تطورات الطاقة البحرية في سوريا غير مجدية. لقد كانت السياسة الأمريكية تقوم على تشجيع تطورات الطاقة في المياه الواقعة قبالة ساحل “إسرائيل” وقطاع غزة (حيث تمتلك السلطة الفلسطينية في رام الله حقل غاز غير مستغل) وقبرص ولبنان.
وقد بذلت واشنطن الكثير من الجهود الدبلوماسية لتخفيف حدة النزاعات المحتملة، على الرغم
من إرجاء أعمال التنقيب البحرية في لبنان، وهي القضية الأكثر إثارة للنزاع حتى الآن، بسبب غياب اتفاق سياسي داخلي في بيروت.
التداعيات
على الرغم من أن مشاركة موسكو في أنشطة الطاقة البحرية السورية تأتي ظاهرياً ضمن إطارات فنية وتجارية، إلا أنه لن ينظر إليها على أنها حسنة النية. وسوف تلبي هذه الأنشطة مصلحة أصيلة لروسيا، فضلاً عن أنها ستجعل التوصل إلى حل للحرب الأهلية السورية أكثر صعوبة.
إن اكتشافات الغاز الطبيعي في شرقي البحر الأبيض المتوسط، والتي تعد كبيرة من المنظور الإقليمي رغم كونها صغيرة من المنظور الدولي، لا تزال قادرة على تقويض الوضع المهيمن لروسيا كمورد للغاز الطبيعي إلى غرب أوروبا.
*سايمون هندرسون / معهد واشنطن – موقع قناة العالم