إيران على خط المصالحة بين إردوغان والأسد.. المعنى والتوقيت
موقع قناة الميادين-
حسني محلي:
يبدو واضحاً أن دخول إيران على الخط قد جاء بطلب من دمشق التي أرادت بذلك أن توازن بالدور الإيراني المعلومات التي تتحدث باستمرار عن مصالح شخصية ورسمية مشتركة ومتشابكة بين الرئيسين بوتين وإردوغان.
بعد يومين من تصريحات الرئيس إردوغان والتي قال فيها ” لتجتمع تركيا وإيران وسوريا لبحث إمكانيات الحل النهائي”، قال وزير الخارجية الروسي لافروف، في مؤتمره الصحفي، مع نظيره المصري سامح شكري، في موسكو “لقد تم التوصل اليوم إلى اتفاقية تهدف إلى مشاركة إيران في عملية تسوية العلاقات وتطبيعها بين الجارتين تركيا وسوريا”.
وهذا يعني موافقة القاهرة، وربما باسم دول عربية أخرى، على الدور الإيراني. وهو ما اعترف به، أول أمس، إبراهيم كالين المتحدث باسم إردوغان عندما قال “سنكون سعداء بمساهمة إيران في مساعي الوساطة مع دمشق؛ لأن طهران لاعب مهم في الأزمة السورية منذ البداية”.
كلام الوزير لافروف جاء بعد سلسلة من الاتصالات والزيارات التي قام بها نظيره الإيراني حسين عبد اللهيان إلى بيروت ودمشق وموسكو، ولحقت بها زيارة وزير خارجية قطر، حليفة أنقرة، إلى طهران بعد أيام من قمة أبو ظبي التي شارك فيها زعماء عدد من الدول العربية بينها قطر ومصر. ويفسر ذلك استغلال الوزير لافروف زيارة الوزير شكري إلى موسكو ليتحدث أمامه عن إشراك إيران في مساعي الوساطة بين إردوغان والرئيس الأسد.
يبدو واضحاً أن دخول إيران على الخط قد جاء بطلب من دمشق التي أرادت بذلك أن توازن بالدور الإيراني المعلومات التي تتحدث باستمرار عن مصالح شخصية ورسمية مشتركة ومتشابكة بين الرئيسين بوتين وإردوغان، وهو ما كان سبباً كافياً بالنسبة إلى موسكو لئلا تضغط على أنقرة في موضوع إدلب والشمال السوري عموماً، ولكنها نجحت في إقناع أنقرة بطلب المصالحة مع دمشق.
يكثر الحديث في الإعلام التركي عن دعم مالي روسي لإردوغان ليساعده ذلك على الفوز في الانتخابات القادمة والمصيرية بالنسبة إلى إردوغان وتركيا وروسيا أيضاً.
وبات واضحاً أن تركيا قبل هذه الانتخابات وبعدها ستشهد تطورات مثيرة لها علاقة بحسابات إردوغان الخارجية ذات الانعكاس المباشر وغير المباشر على الوضع الداخلي. وتأتي الأزمة السورية في مقدمة هذه الحسابات والسبب في ذلك هو مشكلة السوريين في تركيا، والتي ستكون مادة انتخابية مهمة ستستخدمها المعارضة ضد إردوغان.
كما بات واضحاً أنه، أي إردوغان، سيقدّم الحد الأدنى من التنازلات المطلوبة منه لضمان لقائه الرئيس الأسد قبل هذه الانتخابات، وحظوظه فيها ما زالت قليلة، وفق جميع استطلاعات الرأي المستقلة، خاصة بعد إعلان “تحالف الأمة” عن مشروعه الانتخابي الذي يتضمن 2300 مادة تهدف إلى إصلاح كل ما خربه إردوغان خلال 20 عاماً من حكمه.
ومن هذه التنازلات قبوله بدخول إيران على خط المصالحة بينه وبين الرئيس الأسد في هذا التوقيت، الذي تتآمر فيه “تل أبيب” وواشنطن ودول غربية وأخرى حليفة لها ضد إيران، التي تعرضت لهجوم بمسيّرات مجهولة استهدفت مجمعاً عسكرياً في مدينة أصفهان.
توازياً، يظهر التوتر بين باكو وطهران بسبب الهجوم المسلح على سفارة أذربيجان في إيران ومقتل أحد حراس السفارة. وهو الأمر الذي استغلته بعض الأوساط القومية في تركيا وأذربيجان لشن حملة معادية ضد طهران، وهو ما تفعله منذ فترة طويلة بسبب الدعم الإيراني لسوريا في سنوات ما يسمّى “الربيع العربي”.
فقد قال زعيم حزب الحركة القومية، دولت باهشالي، الثلاثاء، وهو حليف الرئيس إردوغان “أذربيجان دولة وأمة تركية الأصل حالها حال أذربيجان الجنوبية”، ويقصد بذلك شمال غرب إيران. هذا الاستفزاز القومي التركي يرافقه استفزاز وتصعيد مماثل من الأوساط القومية في أذربيجان التي أقامت وطورت خلال السنوات الأخيرة علاقات عسكرية واستخبارية متشابكة مع “تل أبيب” التي أقامت عدداً من قواعد التجسس قرب الحدود الأذربيجانية مع إيران، وهو ما فعلته في إقليم كردستان العراق، وخاصة في المناطق التي تخضع لحكم مسعود البرزاني.
في الوقت الذي يسيطر فيه اللوبي اليهودي على غالبية وسائل الإعلام الأذربيجانية التي تشن حملة معادية وعنيفة ضد إيران، وهو ما صادف زيارة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي إلى أذربيجان وبعدها بيوم إلى أرمينيا الجارتين لطهران.
حديث الوزير لافروف عن “اتفاق” حول انضمام إيران إلى الوساطة الروسية بين الأسد وإردوغان يبدو واضحاً أنه قد جاء دعماً لمسار أستانا، ولكن هذه المرة بموافقة مصرية وخليجية، قد تنعكس على دعم مسار المصالحة المصرية –التركية، هذا بالطبع إن كانت عواصم الخليج صادقة في رغبتها في إعادة الأمور إلى وضعها الطبيعي مع دمشق.
ومن دون أن يكون واضحاً ما المواقف العملية التي ستتخذها العواصم المذكورة تجاه دخول إيران على خط المصالحة التي، إن تحققت، فستكون من دون شك برضى خليجي يتمنى له إردوغان أن يدعمه مالياً وسياسياً ونفسياً عشية الانتخابات التي ستكون في 14 أيار/مايو القادم.
يعرف الجميع أن إردوغان كان وما زال بحاجة إلى دعم مالي كبير من الخارج، كما هو بحاجة إلى مواد إعلامية تساعده على كسب مزيد من الدعم، وهو ما سيتحقق له بلقاء الرئيس الأسد والإعلان معاً عن اتفاقهما على إعادة اللاجئين السوريين إلى بلادهم. وهو الموضوع الذي، إن نجح فيه إردوغان، فسوف يسحب البساط من تحت أقدام المعارضة التي تحمّله مسؤولية اللاجئين والأزمة السورية برمّتها.
ومع انتظار رد الفعل الأميركي والإسرائيلي والأوروبي على دخول إيران على خط الوساطة بين إردوغان والأسد، وهو انتصار للدبلوماسية الإيرانية في هذا التوقيت بالذات، ينتظر الجميع من الرئيس إردوغان تحركات عملية وسريعة لحسم موضوع المصالحة قبل أن يتعرض لأي ضغوط خارجية، وسيكون الوضع شرق الفرات من أهم عناصر هذه الضغوط، بما أن المصالحة بين أنقرة ودمشق ستهدف بالدرجة الأولى أو الثانية العمل المشترك ضد “قسد” و”وحدات حماية الشعب” الكردية.
وسيكون ذلك التحدي الأكبر بالنسبة إلى إردوغان وقبل الأسد، خاصة إذا فكر الأميركيون في التصدي للمخططات الروسية عبر تركيا وسوريا وإيران وربما العراق أيضاً. وهو ما قد يؤدي إلى أزمة حقيقية وخطيرة في العلاقة بين أنقرة وواشنطن، ولها ما يكفيها من الأسباب لمثل هذه الأزمة، إذ إن تركيا عضو في الحلف الأطلسي وله الكثير من القواعد على أراضيها.
ويبقى الرهان في نهاية المطاف على نجاح الدبلوماسية الروسية في إقناع كل من مصر والسعودية والإمارات وقطر (حليفة إردوغان) بضرورة الاستعجال في تحقيق المصالحة التركية-السورية، وبإتمامها ستكتسب مصالحات إردوغان مع القاهرة وأبو ظبي والرياض أهمية عملية يستفيد منها الجميع.
ومن دون أن يكون واضحاً كيف سيكون رد “تل أبيب” على هذه التحركات الروسية، والتي ستعرقلها واشنطن بشتى الوسائل، وسلاحها الأكبر لذلك هو كرد سوريا بامتداداتهم في تركيا والعراق وإيران. وهم سلاح “تل أبيب” أيضاً إلى أن تقنع أنظمة الخليج نتنياهو وحلفاءه في الحكومة الإرهابية أن الحرب لم تعد لمصلحتهم، وأن جيل الشباب الفلسطيني، بعد أحداث جنين وعملية القدس البطولية، ليس هو الجيل الذي سيستسلم للمتآمرين عليه داخلياً وإقليمياً ودولياً، ما دام هناك من يقف وسيقف إلى جانبه من شرفاء الأمة، ويعرفهم الجميع وهم مصدر الرعب الحقيقي للكيان الصهيوني وحلفائه في المنطقة!