إما حسم وضع الأسير أو تفكك لبنان
موقع إنباء الإخباري ـ
إبراهيم علوش:
شكلت خطوة مناصري الشيخ التكفيري أحمد الأسير بشن هجوم دموي حاقد على موقع للجيش اللبناني في عبرا، قرب صيدا جنوب لبنان، بدون أي مبرر أو خلفية مباشرة، أكثر من حركة استفزازية عابرة موازية للهجمات واطلاق الرصاص على الجيش اللبناني في طرابلس والناعمة وبيروت وعرسال أثناء أداء مهماته الرسمية.
فهذه الهجمة جاءت، أولاً، أكثر إيلاماً بكثير من سابقاتها، وجاءت، ثانياً، دون أن يكون الجيش بصدد البحث عن مطلوبين مثلاً، أو القيام بحملة اعتقالات، وجاءت، ثالثاً، في صيدا، عاصمة محافظة جنوب لبنان، وليس على الأطراف، وجاءت، رابعاً، على خلفية تضخم ظاهرة طائفية في صيدا، مدعومة من خارج لبنان، هي ظاهرة الشيخ أحمد الأسير، وتهجمها المباشر على حزب الله، وجاءت، خامساً، على خلفية اكتساح الجيش العربي السوري لمواقع العصابات المسلحة في سورية وإغلاق عدد كبير من منافذ تهريب السلاح والتكفيريين من وإلى سورية عبر لبنان، مما يعكس أزمة العصابات المسلحة التكفيرية التي يتواجد بعض أفرادها غير اللبنانيين تحت جناح مجموعة أحمد الأسير.
وعليه فإن خطوة استهداف الجيش اللبناني هي خطوة تصعيدية كبيرة على المستوى اللبناني والإقليمي لأن الجيش اللبناني هو جيش غير طائفي، وهو يشكل أحد أهم ضمانات وحدة لبنان وعروبته، ولا تزال عقيدته القتالية تقوم على اعتبار العدو الصهيوني الخطر الرئيسي على لبنان منذ العماد إميل لحود، وبالتالي فهو ليس مرشحاً على الاطلاق للاصطفاف ضد سورية أو مع مشروع حلف الناتو والبترودولار في لبنان والإقليم، أي أنه يشكل عائقاً موضوعياً أمام مشروع تفجير لبنان والمنطقة طائفياً.
إذن هذا التصعيد ضد الجيش اللبناني، عن سابق إصرار وتصميم، جاء محبوكاً باعتبارات إستراتيجية أمريكية-صهيونية، وحظي بحماية تيار المستقبل، بالرغم من بعض التنافس بين الأسير والحريري على تمثيل الطائفة السنية في لبنان، لكنه تنافس تحت سقف طائفي بالنهاية، بمقدار ما يعكس تنافساً سعودياً-قطرياً يتقاطع في دعم أحمد الأسير ضد حزب الله. ومن هنا اللغة المزدوجة المغمغمة للحريري وتيار المستقبل بصدد الأحداث في صيدا، وهي اللغة التي دفعت الجيش اللبناني في بيان رسمي لمطالبات كل الفعاليات والشخصيات الوطنية في صيدا لإعلان موقف واضح لا يحتمل التأويل في تأييد الجيش اللبناني.
وثمة عاملان آخران هنا: الأول، محاولة قرص حزب الله عبر خطوطه الخلفية بعد الدور البطولي الذي لعبه في القصير، وقد ترافق العدوان على الجيش اللبناني فوراً بهجوم على بعض شقق مناصري حزب الله في عبرا وجوارها، الثاني، محاولة زج مخيم عين الحلوة الفلسطيني في معركة الأسير ضد الجيش اللبناني من خلال استهداف موقع مجاور للمخيم عبر بعض القوى التكفيرية بدون أي مبرر أيضاً.
ولا بد من تحذير كل القوى الفلسطينية، بدون استثناء، من خطورة تكرار سيناريو مخيم نهر البارد قبل سنوات، فهذه مؤامرة على الشعب الفلسطيني، لا اللبناني أو السوري فحسب، ومن واجب كل القوى والشخصيات الفلسطينية في لبنان أن تمنع تحويل مخيم عين الحلوة وغيره إلى بؤرة ضد الجيش اللبناني من قبل قوى انكشف على الملأ الآن مقدار الدعم الذي تحظى به من حلف الناتو والكيان الصهيوني (عبر الجولان مثلاً).
المهم، يشكل تفجير لبنان طائفياً، ومحاولة الضغط على حزب الله عبر قواعده الخلفية، لمنع اشتراكه في قصير جديدة، تتمة لتصاعد التفجيرات الطائفية في العراق للضغط على سورية. والكرة الآن في ملعب الجيش اللبناني، فإما أن يحسم معركة الأسير والحالة التكفيرية نهائياً وبأسرع ما يمكن، وإما أن يخاطر بخلخلة الوضع الأمني اللبناني وسفك دماء أكثر بكثير في مستقبل لن يكون بعيداً…
فإذا انتهى العدوان على الجيش اللبناني بتبويس اللحى وبإجراءات شكلية، بدون اعتقال احمد الأسير ومحاكمته بتهمة محاولة بث الفرقة في صفوف الجيش، بعد دعوته الجنود السنة للإنشقاق، وبدون الاقتصاص ممن اعتدوا على الجيش، فإن دماء الجنود والمدنيين اللبنانيين التي تسفك بعدها ستكون في رقبة المتهاونين والمتساهلين من أصحاب القرار، وهو قرار للبنانيين على كل حال، مع أنه ينعكس بقوة على الإقليم، ونأمل أن يكون القرار هو الأفضل لمصلحة لبنان.
الجيش اللبناني في النهاية هو عنوان وحدة لبنان، وقد سقط من جنوده وضباطه في عدوان عبرا وما تلاه عددٌ من المسيحيين والسنة والشيعة، أي من كل الطوائف اللبنانية، وبالتالي فإن الهجوم عليه هو هجوم على وحدة لبنان بالأساس… والباقي عند الحريصين على وحدة لبنان.