«إسرائيل» تنصب الفخ الأزرق على الحدود.. فما هو واجب لبنان؟
صحيفة البناء اللبنانية ـ
العميد د. أمين محمد حطيط :
عندما كنا في مهمة التحقق من الاندحار الإسرائيلي وخروج الجيش المحتل من الجنوب أفشلنا اكثر من مناورة دولية ومحاولة صهيو ـ أميركية تهدف لاسقاط الحدود الدولية المعترف بها بين لبنان وفلسطين المحتلة منذ العام 1923 والمؤكّد عليها في عام 1949 بمقتضى اتفاقية الهدنة بين لبنان و«إسرائيل» وانتهى الحال في نهاية النقاش والتجاذب إلى امرين اساسين: الأول أن الخطّ الذي تتمسك به الامم المتحدة لتتخذه دليلاً ومعياراً تقيس عليه الانسحاب هو خطّ لا قيمة قانونيةَ ولا وظيفةَ له اكثر من التحقق من الانسحاب الإسرائيلي وخروج قوات المحتل من جنوب لبنان. والثاني ان هذا الخط يطابق خطّ الحدود الدولية تماماً الا في مناطق ثلاث على الجزء الفلسطني من الحدود العديسة والمطلّة ورميش ويختلف عنه في الجزء السوري في منطقة مزارع شبعا. وخلافا لذلك لم يكن هناك نقطة أو منطقة أو قطاع حدودي قيد النزاع أو الخلاف وبخاصة على الجزء اللبناني الفلسطيني من الحدود.
وفي الفترة ما بين عامي 2000 و2006 اي الفترة التي استمرت فيها المقاومة مرابطة على الحدود بالتعاون مع القوة العسكرية اللبنانية المشتركة تمّت المحافظة على واقع الميدان ولم يكن هناك محاولة إسرائيلية باي شكل من الاشكال لتجاوز تلك الحدود أو النزاع حول ملكية اي منطقة منها لا يقر لبنان بها. وبقيت الحدود هادئة لا تتعرض لمحاولة انتهاك إلا وتكون هناك ردة فعل لبنانية تجهض المحاولة وتثبت الواقع.
لكن لبنان كما يبدو ارتكب بعد 2006 خطأين اثنين في مسألة التعاطي مع ملف الحدود ومع مسألة الانتهاك الإسرائيلي:
كان الخطأ الاول عبر الدخول في لجنة ثلاثية تضمّه إلى الامم المتحدة مع «إسرائيل» وهي لجنة لا نجد نصّاً عليها في أي من القرارين 425 أو 1701 وكنا رفضنا في عام 2000 إنشاءها ونفذنا مهمة التحقق والتثبت من المعالم الحدودية من غير وجودها واكتفينا بلجنة لبنانية أممية فقط وتولت الامم المحدة نقل كل ملاحظاتنا واعتراضاتنا وإدانتنا للسلوك الإسرائيلي حول هذه المسألة أو تلك إلى العدو الصهيوني من غير ان نقبل بمجالسته أو محادثته أو مناقشته. وعندما فرغنا من المهمة في آب 2000 كان الميدان على الحدود يطابق لما نراه من حقوق لنا حتى في المناطق المتحفّظ عليها حيث رفضنا ان تدخل «إسرائيل» اليها وبالتحديد في منطقة العديسة. لكن اليوم ومع اللجنة الثلاثية التي تفسرها إسرائيل وفقاً لما يناسبها فيبدو ان اللعاب الإسرائيلي سال على الارض اللبنانية وترجمت مطالب واعتراضات تعاكس الحق اللبناني.
اما الخطأ الثاني الذي يبدو ان لبنان وقع فيه ويستمر حتى الآن فهو القبول بالخديعة الإسرائيلية والقول بـ»مناطق متنازَع عليها» خارج النقاط الثلاث. وتواترت المواقف الإسرائيلية التي تدعي وجود خلاف أو نزاع على نقطة حدودية أو اخرى حتى وصلت اليوم وفقاً لما احصيناه عبر الاعلام إلى 8 نقاط. وهذا ما يذكرني بالخريطة الأممية التي رفضناها عندما دقّقنا فيها ووجدنا أنها تقتطع أرضاً من لبنان في 13 نقطة رفضاً اضطرّ الأمم الامتحدة يومها للتراجع عن 10 نقاط وتحفظنا نحن على المناطق الثلاث التي لم تتراجع فيها الامم المتحدة. هذا الواقع المستنتَج يقودنا إلى القول بأن الامم المتحدة تعمل الآن وفقاً للخريطة الأصلية التي جاءت بها ورفضناها ولذلك تبرز تباعاً مسألة المناطق المتنازَع عليها وهذا بذاته أمر بالغ الإضرار بالمصلحة اللبنانية العليا. وقد كان من آخر إبداعات الأمم المتحدة والعدوان الإسرائيلي ما قيل لاحقاً حول منطقة متنازَع عليها في عيترون قرب النقطة « ب ب 24» وهي منطقة بشكل مثلث حاولت «إسرائيل» في عام 2000 وبدعم من الامم المتحدة ضمّها ورفضنا سلوكهم وألزمنا إسرائيل الخروج منها وتأتي اليوم لتتكرّر المحاولة وتجد في الامم المتحدة من يصغي إليها دونما ردة فعل لبنانية مناسبة ويا للأسف!
إننا وفي هذا المجال ومع تذكير من تخونه ذاكرته اليوم نرى أن أيّ مسّ أو اعادة نظر بما توصل اليه لبنان في عام 2000 يعتبر نوعاً من التفريط بأرض لبنانية. كما أننا نلفت إلى مسألة مدى الدقة في أجهزة القياس المعتمدة ونعرف ان الخطأ في الخرائط ذات المقياس 1 50000 التي رسم عليها الخط الذي أسمي «ازرق» هو خطأ يحتمل التفاوت بـ 50 م وان خطأ القياس في اجهزة ال «جي بي اس» حتى المتطورة منها لا يمكن تقليصه إلى أدنى من 3 أمتار وإننا في عام 2000 لم نكتف بأجهزة القياس والخرائط بل إننا قمنا بدراسة المناطق وجغرافية الارض وتاريخ التصرف والسلوك وعلى هذا الأساس رفضنا تحريك السياج التقني الإسرائيلي متراً واحداً باتجاه الشمال وكنا نقول « لو كانت الارض من فلسطين كما تدعي إسرائيل لكانت غيرت المعالم والسياج أثناء فترة الاحتلال «وكانوا يذعنون لمنطقنا الواضح هذا ويبقى الامر على حاله لصالح لبنان.
وعلى هذا الأساس ـ إننا ندعو وبإلحاح إلى وقف أعمال اللجنة العسكرية الثلاثية ولا نستطيع تقبل أية ذريعة أو تبرير لاستمرارها ووحدها لجنة الهدنة يمكن ان تجمع عسكرياً لبنانياً بـ«إسرائيلي» لكن «إسرائيل» الغتها من جانب واحد في عام 1967. كما ندعو إلى رفض المسّ بأية نقطة حدودية ورفض فكرة المناطق المتنازع عليها وندعو الأهالي في جنوب لبنان الذين بمقاومتهم حرّروا الأرض أن يحرسوها محرّرة ويعملوا إلى جانب جيشهم ولا يذعنوا لطلبات أممية تنتهك حقوقهم وحِذار حِذار من الوقوع في الفخ الأزرق «الإسرائيلي» الأممي خصوصاً في هذا الظرف بالذات. ولذلك أرى أن سلوك الاهالي في عيترون بالأمس القريب واصرارهم على قطاف زيتونهم ورفضهم الخضوع للمطالب والاعتراضات «الإسرائيلية» إنما هو فعل من أفعال المقاومة ينبغي تأييده والتأكيد عليه