إستيراد المشتقات النفطية من ايران: كسر الحصار وتعزيز الردع
موقع العهد الإخباري-
علي عبادي:
هل حقاً أن لبنان دخل مرحلة جديدة بعد اعلان حزب الله بدء استقدام سفن محروقات من ايران؟ وما تأثير ذلك على المعادلة السياسية اللبنانية؟ وما هي المخاطر المحتملة التي قد تترتب على هذا التطور؟
من دون شك، فإن هذا التطور يمثل بداية مرحلة جديدة في تشابكات العلاقات الاقتصادية والسياسية اللبنانية وتعزيزاً لمعادلة الردع التي تحمي لبنان في البر لتصل الى البحر. هناك متربصون كثر بهذا التطور وهذه المعادلة، وقد يتكتلون لإفشال ما يعتبرونه مساً بوضعياتهم السياسية الخاصة واحتكارات اقتصادية تاريخية، وسيخيطون منطقاً هزيلاً يتمحور حول “سيادة الدولة” التي لا تطعم جائعاً ولا توفر أدنى مقومات الإستمرار. ماذا عن الشعب، أليست السيادة قائمة على رضاه ومصالحه الحيوية الاستراتيجية، هل فكّر أحد من المعترضين ماذا يعني توقف المستشفيات والأفران والقطاعات التي تعمل على الكهرباء وتستفيد من المحروقات للإنتاج والنقل والوصول الى الاسواق؟ هل على اللبنانيين أن ينتظروا حكومة أصبحت أسيرة خلافات مزمنة في تشكيلها وطريقة عملها وفعالية قراراتها؟ وهل صحيح أن الحل الوحيد بتحرير أسعار المحروقات، وهو تطور يستلزم بعض المقدمات التي تحمي المواطن، وأيضاً هل بإمكان مصرف لبنان في حال تحرير الأسعار بالليرة أن يوفر الدولار لشركات استيراد النفط وهو يعلن أنه قد وصل الى مرحلة حرجة في كتلة الاحتياطي النقدي؟
كل من يطرح إشكالات على إستيراد النفط من ايران بالليرة اللبنانية لم يقدم حلولاً عملية مُقنعة على المدى القصير والعاجل. حتى “الحل” المفاجئ الذي طرحته السفيرة الأميركية في بيروت دوروثي شيا بعد ساعات قليلة من إعلان الأمين العام لحزب الله عن وضع مشروع تزويد السوق اللبنانية بالمحروقات من ايران موضع التنفيذ، بمساعدة لبنان لاستجرار الطاقة الكهربائية من الأردن عبر سوريا عن طريق الغاز المصري”، يثير علامات استفهام حول توقيته والصيغة المقترحة التي تتطلب تواصلاً إقليمياً لا تتوفر مقدماته في ظل تقطيع الخطوط السياسية الذي مارسته الادارة الاميركية بحق سوريا تحت عنوان “قانون قيصر”. فهناك عقبات جدية أمام استجرار الغاز المصري الى شمال لبنان مروراً بسوريا، وأولها: هل سيتاح لسوريا الإفادة من هذا الغاز ولو بصورة رسوم، وهذا يتضارب مع قانون قيصر؟ واذا كان الأمر عن طريق زيادة إنتاجية الأردن للكهرباء بالغاز المصري ونقل الكمية الكهربائية الإضافية المنتَجة إلى لبنان عبر سوريا، هل سيتاح لسوريا الإفادة من هذا الخط؟ وماذا عن عمليات الصيانة لشبكات النقل الكهربائي وخط الغاز من سيتحمل التكلفة، وكيف سيتم الموضوع في ظل عدم وجود تواصل سياسي مع الحكومة السورية؟ وهل في استطاعة لبنان ان ينتظر أيضاً وأيضاً نتيجة مفاوضات مع البنك الدولي والإجراءات الروتينية مع ثلاث دول في المنطقة وينتظر إصلاح خطوط نقل الكهرباء وخط الغاز؟ وبالأساس، لماذا كانت الإدارة الاميركية تفرض حظرا على الغاز المصري إلى لبنان عبر سوريا، برغم معرفتها الأكيدة بضرر ذلك على لبنان؟ أسئلة تحتاج إلى إجابات غير متوفرة بعد.
الغرفة السوداء
التحرك الاميركي جاء بعدما وصل لبنان إلى حافة القطيعة مع الكهرباء. وهذا يؤكد:
– ان الإدارة الاميركية هي التي كانت تمنع تزويد لبنان بالكهرباء عن طريق سوريا بذريعة العقوبات المفروضة على الأخيرة، وهي فعلياً تعاقب لبنان مع سوريا، وبالتالي فان قرار السماح والمنع بيدها. وهذا أبلغ رد على من يقول إنه لا يوجد حصار أميركي على لبنان.
– سبق للرئيس الحريري ان أشار في ١٨ تموز الماضي إلى طلب موافقة أميركية استثنائية على تصدير الغاز المصري اللازم لإنتاج الكهرباء عبر الأردن فسوريا إلى لبنان. وكان ذلك في سياق تظهير نتيجة علاقاته الإقليمية. لكن شيئاً لم يتحرك، فبقي لبنان طوال الفترة الماضية بلا كهرباء.
– ان الأميركيين تحركوا بعدما بدأ حزب الله يأخذ زمام المبادرة باستيراد المحروقات، وهذا من شأنه إظهار حلفائهم في موقف العاجز والمفلس والمنظِّر على الشعب من فوق. وأيضاً سيمسّ الاستيراد من ايران بأهداف الخطة التي يشتغل عليها الأميركيون منذ سنوات لهز اقتصاد لبنان وتجميع عناصر التوتر من اجل تفجيرها في وجه المقاومة باعتبار ان سلاحها – وفق السردية الأميركية – يمثل مشكلة تقف في وجه الاصلاحات السياسية والاقتصادية وعقبة أمام المساعدات الدولية، لتصبح وجهة المطالبة السياسية والشعبية المنشودة هي تسليم سلاح المقاومة لكي تعود الكهرباء والمحروقات.
تحدث الأمين العام لحزب الله مرتين في الأيام الماضية عن غرفة سوداء في السفارة الاميركية تدير تأزيم الوضع الداخلي، وهذا يشير الى وجود معلومات لديه بهذا الشأن، حيث تطرق الى قيام السفيرة الاميركية بمعاقبة بعض الجمعيات التي تمولها السفارة لأنها لم تقم بالمطلوب منها، كما ألمح إلى أن قرارات تُتخذ من جهات عليا (مثل قرار حاكم المصرف المركزي ذات ليل برفع الدعم عن المحروقات) ترتبط بمخطط التأزيم.
الواضح هنا أن الأميركي يدفع إلى انهيار “مُدَوْزن” في لبنان، ولديه أدوات تنصاع في الداخل، بهدف تحميل حزب الله المسؤولية والدفع باتجاه تغيير في المعادلة القائمة حالياً والتي يعتبر أنها تضر بالسياسة الأميركية والمصالح الاسرائيلية. الحركة المضادة التي بدأها حزب الله أدت في الساعات الأولى الى اندفاعة أميركية متعددة المستويات من أجل “تقديم بدائل” تقطع الطريق على هذا الخيار. وإذا تحقق البديل الأميركي، لن يضير حزب الله ذلك، بالعكس سيُحسب له أن حركته أدت الى إحراج الأميركيين ودفعهم الى تخفيف حصارهم المحكم المضروب حول لبنان باسم محاصرة سوريا. وفي حال تم استيراد النفط من ايران وساهم في حلحلة الوضع، سيعزز موقعية حزب الله ومقاومته ويضعف أطروحة القوى المناهضة له.
في المقابل، اذا تعرقل وصول الغاز المصري، وهذا وارد بالنظر إلى تعقيدات مختلفة، فهذا يعني أن الأميركي يراهن على أن المشروع لن يتم، وبالتالي فهو سيكمل تحركه لتوجيه لكماتٍ تحت الحزام. وحينها سيتبين أن المعسكر الآخر لا يملك بدائل يقدمها للشعب اللبناني، بل يتمسك بمنطق خشبي لا يُسمن ولا يغني من جوع.
النقلة النوعية التي قام بها حزب الله في شأن توفير المحروقات قد تدفع الأميركي الى إعادة النظر ببعض حساباته والتسريع في تشكيل الحكومة، لكن من دون التراجع عن مشروع تجفيف البيئة اللبنانية خدمة لأغراض استراتيجية. وثمة معادلة عسكرية دقيقة لا تسمح للأميركي ومعه الاسرائيلي بالمخاطرة في المواجهة المباشرة، لكن الأميركي سيكثف تحريض جهات محلية على العرقلة والضغط وقطع الطريق على أي إنجاز قد يقوم به حزب الله.
في كل الأحوال، نحن أمام مرحلة جديدة فرضتها طبيعة التحديات الاقتصادية. فكما ان الاحتلال الاسرائيلي وضعَنا عام 1982 أمام خيار المقاومة المسلحة في ظل عجز الدولة عن حماية أرضها وشعبها، فإن التحديات الاقتصادية وضعتنا أمام خيار التحرك لكسر المعادلة الداخلية الظالمة التي تعمل تحت الإبط الأميركي في ظل عجز الدولة عن التحرك لحماية قُوت الشعب ومصالحه.