إستمرار الأزمة الأوكرانية يهدد الأمن الغذائي العالمي
موقع العهد الإخباري-
د. محمود جباعي:
تتوالى التداعيات السياسية والاقتصادية للعملية العسكرية الروسية في أوكرانيا بشكل دراماتيكي مع ما لها من أثر مباشر على الحياة المعيشية اليومية لمعظم سكان الكرة الأرضية ولكن بنسب متفاوتة حتى الآن. نار التضخم المالي بدأت تلتهم القدرة الشرائية للمداخيل في معظم الدول الاوروبية كما في الولايات المتحدة الأميركية، لكن ما زالت هذه الدول تمتلك المقومات المالية والاقتصادية لمواجهة هذا التضخم حتى الآن. إلا أن استمرار الحرب وتبعاتها قد يؤدي حتماً الى دخولها في دوامة خطيرة من شح المواد الأساسية في المستقبل. كذلك، طالت شظايا هذه الحرب بشكل مباشر معظم اقتصادات الدول النامية والفقيرة حيث بدأ سكانها بالفعل يعانون بشكل مباشر في ما يتعلق بأمنهم الغذائي والمعيشي وهذا ما أعلنته منظمة الفاو العالمية من أن الأزمة الحالية بدأت تمثل تحدياً للأمن الغذائي بالنسبة للعديد من البلدان وخاصةً بالنسبة للبلدان منخفضة الدخل التي تعتمد على استيراد الغذاء بسبب ضعف انتاجها المحلي وعدم قدرته على تلبية حاجات معظم السكان فيها.
أسعار المواد الأساسية في ارتفاع مستمر
تشير كل التقارير العالمية إلى أن أسعار تصدير القمح ارتفعت بشكل كبير وخاصةً منذ شهر نيسان من العام الحالي حيث تابعت ارتفاعها بشكل أكبر في شهر أيار الحالي بعد اعلان الهند فرضها لقيود كبيرة على تصدير القمح وبعض المواد الأساسية الأخرى حيث تخشى استمرار الحرب وتأثيراتها مما سيهدد أمنها الغذائي مستقبلاً. علمًا أنه منذ بداية الصراع الروسي – الاوكراني قام الاتحاد الاوروبي ومعه الهند بزيادة نسبة التصدير من المواد الغذائية الأساسية في محاولة لتعويض جزء من الصادرات المفقودة من منطقة البحر الأسود، ولكن تداعيات الحرب فاقت كل التوقعات مما جعل معظم الدول المصدرة تعيد حساباتها حتى لا تقع هي أيضًا في مشكلة غذائية محتملة.
هذه التطورات تنذر بشح المواد الغذائية الأساسية في العديد من دول العالم التي لن تتمكن من الحصول عليها بسهولة مما سيعرض سكانها لخطر المجاعة بصور كبيرة. وهناك عدة دول بدأت تعاني من أزمات كبيرة في هذا المجال، حيث تأثرت بصورة كبيرة كل من تركيا ومصر وإرتيريا والصومال ومدغشقر وتنزانيا وغيرها من العديد من الدول الأخرى والتي تعتمد بشكل مباشر على استيراد القمح من أوكرانيا وروسيا. كذلك، تعاني اليوم العديد من الدول التي تعتمد على استيراد الأسمدة من روسيا وعلى رأسها كل من البرازيل والارجنتين وبنغلاديش والتي تعتمد على الاسمدة الروسية بنسبة تفوق 70 بالمئة من حاجاتها بالاضافة الى العديد من الدول الأخرى في آسيا وافريقيا.
تفارير الأمم المتحدة تنذر بالخطر الشديد
صدر في 4 أيار من العام الحالي التقرير العالمي للأمن الغذائي والمتعلق بالأزمات الغذائية الموجودة حاليًا في العالم حيث حدد التقرير أنه يوجد حتى الآن حوالي 193 مليون شخص يعيشون في 53 دولة أو أقليم يعانون من انعدام الأمن الغذائي الحاد وهذا يمثل زيادة بنحو 40 مليون شخص مقارنة بالأعوام الماضية خاصةً في فترة انتشار كوفيد 19. كل ذلك يحصل بسبب ارتفاع الأسعار وخاصةً أسعار القمح والطحين عالميًا اضافة لارتفاع كلفة الانتاج عالميًا بفعل ارتفاع أسعار النفط والغاز مما يؤثر على القدرة المعيشية للشعوب وبالاخص حالياً سكان الدول النامية والفقيرة. حيث ارتفعت أسعار القمح والذرة والبذور الزيتية بشكل كبير مما أوصل مؤشر أسعار المواد الغذائية العالمي الى أرقام قياسية تاريخية وبلغ متوسطه 158.2 بالمئة بحسب مؤشر أسعار منظمة الفاو، وهو رقم يعد كبيرًا عالميًا وينذر بخطر داهم لمعدلات تضخم ستهدد الدول الغنية في المستقبل القريب لندخل في أزمة غذاء وأسعار لم يكن لها مثيل منذ عشرات السنوات.