إستقالات جنرالات الموساد والقلق الوجودي للكيان
موقع قناة المنار-
يونس عودة:
بموازاة المناورات التي تجريها قوات جيش الاحتلال الصهيوني بمشاركة كل قطاعات الجيش ، والجبهة الداخلية ضمنا ، جراء ارتفاع المخاوف على الجبهة الشمالية – لبنان وسوريا ، اي مواجهة حزب الله ، او تلك المخصصة لجبهة غزة ، وصولا الى المناورات المشتركة بالتدرب على القرصنة في البحار تحت ذرائع مصدرها الجزع من قوة ايران البحرية ، وقدرات هذه الاخيرة على التحكم بالممرات البحرية، بموازاة كل ذلك ضربت صاعقة لا يستهان بها الجهاز الاستخباراتي الاسرائيلي الذائع الصيت عالميا ، جراء البروباغندا سواء كانت حقيقية او بهدف رسم صورة مؤطرة بهالة لا تبدو واقعا عن القدرة والقوة والنفوذ والتغلغل اينما يريد الجهاز المذكور ومواكبته العلوم المتطورة على المستوى التقني .
لقد تلقى الكيان الصهيوني الصاعقة من اهم مكوناته واذرعه وهي المتمثلة باستقالات قدمها 3 جنرالات دفعة واحدة من القيادات الرئيسية ، واهم الفروع في “الموساد ” وهم رئيس قسم التكنولوجيا، ورئيس قسم الحرب على الإرهاب، ورئيس قسم ”تسومت“، القسم المركزي لوكلاء التشغيل في الجهاز.
لقد اقتصرت التحليلات على نقطتين ، الاولى تمحورت حول الخلاف مع الرئيس الجديد للجهاز ديفيد برنيع، الذي عينه بنيامين نتنياهو خلفا لصديقه يوسي كوهين قبيل خروجه من السلطة ، بعد ان كلفه بمهمات اثناء وجوده في السلطة وكان مخلصا له رغم كل قضايا الفساد المتهم بها نتنياهو، والسبب الرئيسي المعلن في الخلاف بين يرنباع والجنرالات نية الرئيس الجديد للجهاز القيام بإجراء تغييرات تنظيمية داخل ”الموساد“ اي إحداث ثورة حقيقية وتحول استراتيجي داخل الجهاز الاستخباراتي الإسرائيلي، ومحاولة لإعادة هيكلة الجهاز نفسه. ووفق القناة 13 الاسرائيلية فان يرنباع يقوم بعملية تحول سريع واستراتيجي تجاه الفضاء السيبراني والاعتماد ما يطلق عليه “الذكاء الاصطناعي”، وهو ما يعني أن الجهاز الاستخباراتي يفترض أن يشهد حالة من تقليص الاعتماد على العنصر البشري.
وتحت عنوان “هزة في قمة الموساد”، أوضحت القناة العبرية على موقعها الإلكتروني أن الجهاز الاستخباراتي يعاني من الهزة والتصدع بسبب الخلافات الداخلية بين قياداته، خاصة بين الرئيس الجديد للجهاز والقيادات الأخرى، بعد محاولة إعادة هيكلة الجهاز وفصل أقسام عن بعضها البعض،لا بل انه ألغى عدة دوائر وأقسام اعتبرها ليست ذات جدوى ودمج بعض الدوائر والأقسام وقام بتوسيع دوائر أخرى تختص بالتكنولوجيا والحرب السيبرانية والعمليات القتالية خارج الحدود، وهذا ما اثار ردة فعل غاضبة بين القيادات ، بسبب النزعة الفردية لدى الجميع بمن فيهم يرنباع ، الذي ينتظر تغطية من رئيس الحكومة نفتالي بينيت .
النقطة الثانية، يرى البعض ان المسألة «مجرد استعراض عضلات وعملية إثبات وجود يقوم بها رئيس الموساد الجديد كي يفرض سيطرته على زملاء الأمس الذين لا يتقبلونه قائداً»، وبالتالي فان صحت هذه فان ذلك يعني صراعات شخصية . ويستدل اولئك بأن التغييرات المتوخاة قد تؤدي إلى ضعف في الأداء وضرب للروح المعنوية ومساس في خطط العمليات الجريئة. وتساءل بعضهم عن السبب المنطقي في هذه التغييرات، حيث إن برنياع كان في منصب نائب رئيس الموساد منذ عام 2019، ولم يذكر أو يلمح إلى ضرورة إجراء هذه التغييرات.
بلا شك ان الشخص او الشخصية لها دور في القيادة ، وفق النهج والمسار الذي يجري اتباعه وللعلم فان كوهين ويرنباع عملا معا في جميع العمليات الكبرى للموساد منذ عام 2019. واذا كانت وصية نتنياهو خلال مراسم التعيين هي الهدف المقبل ، فان الجهاز بقيادة يرنباع لن يتمكن من التفاخر بانه انجز المهمة الملقاة عليه ،وهي كما قال نتنياهو ان ”المهمة الأولى الملقاة على عاتق كل واحد وواحدة منكم (عناصر الموساد) هي منع إيران من التزود بسلاح نووي، هذه هي المهمة العليا”.
من المعروف ان نتياهو ومنذ تسلمه رئاسة الحكومة والسيطرة على السلطة لسنوات ، حتى خروجه منها ،لا يترك سانحة الا وكان يتحدث عن الهدف والمهمة اياهما -ايران وحزب الله – اي بمعنى اخر لم يحقق لا هو ولا الموساد نتيجة كل الاعمال القذرة ،بما فيها اغتيال العلماء والقادة، والقيام بحرب سيبرانية مع التجسس بلا حدود ، والنشاط الدعائي الدبلوماسي التحريضي سواء على ايران او محور المقاومة ولاسيما حزب الله ، وكذلك خليفته بينيت ، وقيادة “تساحال” والاذرع الامنية كلها.
ان الاستقالات في الموساد المتوقع ان تتزايد لم يلحظ احد انها جاءت بعيد ساعات من خطاب الامين العام لحزب الله سماحة السيد حسن نصرالله في يوم الشهيد والذي كان واضحا وضوح الشمس في تشخيص القلق الاسرائيلي ” لأنهم قلقون من لبنان، لأول مرة في تاريخ هذا الكيان منذ أكثر من سبعين سنة يخاف من لبنان، لا يَخاف من لبنان أن يطلق عليه قذيفة أو صاروخ كاتيوشا أو عبوة ناسفة وإنما يَخاف من لبنان أن يقتحم على العدو مساحة كبيرة في الشمال في ما عنوانه “معركة الجليل”، اليوم اصطلاح الجليل ومعركة الجليل أصبحت حاضرة بقوة في الوجدان الإسرائيلي، في الثقافة الاسرائيلية، في الحسابات العسكرية لدى القيادات السياسية والعسكرية الاسرائيلية، ولذلك يُشيدون الجدران ويُغيرون الجغرافيا ويَأتون بالفرق إلى الحدود ويُقيمون مناورات شبه شهرية أو شبه فصلية في منطقة الشمال لماذا؟ ويضعون فرضيات المناورة بناءً على فرضية وهي أنّ المقاومة في لبنان ستدخل إلى الجليل لو كان هذا مجرد كلام إعلامي. لم يكن يحتاج الإسرائيلي لكلّ هذه الإجراءات وهذه الخطط وهذه المناورات وهذا الإنفاق وهذا الجهد. هذا دليل أنّ الإسرائيلي يثق جيّدًا بالمقاومة في لبنان، ويثق جيّدًا بصدق وعودها، ويثق جيّدًا بقدرة وعظمة رجالها، وعلو شأنها وأهمية عقولها الاستراتيجية”.
يدرك العالم كله، وضمنا الكيان الصهيوني، ان ايران لا تسعى الى امتلاك سلاح نووي عسكري، ولذا فان العمل التحريضي هدفه في مكان اخر ، ولذلك فان جزءأً اساسياً من الحرب يتمثل بمعركة العقول ، ويمكن الجزم هنا ان اسرائيل استنفذت كل الوسائل في مقارعة عقول اصحاب القضية العادلة ، رغم البطش والجرائم والترويع واستخدام الادوات القذرة بما فيها العملاء المحليون ، ولذلك فان الهزة الامنية في الموساد ليست الا رأس جبل الجليد الذي سيتمدد حتما الى بقية اركان الكيان ، وهذا الامر عبرت عنه بعض التحليلات الاسرائيلية التي ابدت خشيتها من ان تترك الاستقالات آثاراً مدمرة، وتقوض عمليات استراتيجية وضعت موضع التنفيذ، مع الاقرار ومنذ سطوع شمس المقاومة التي لا تساوم ان الحرب المقبلة هي حرب وجودية بالنسبة للكيان .