أيوب تحلّق بقدرة حزب الله الردعية: قواعد جديدة لحماية لبنان
صحيفة السفير اللبنانية ـ
ايلي الفرزلي:
لم تكن طائرة الاستطلاع التي أطلقها «حزب الله» في العمق الإسرائيلي، منذ أيام، حدثاً عادياً في مسار الصراع المستمر بين المقاومة والعدو ليس على الجبهة اللبنانية وحسب بل في كل الجبهة العربية.
وإذا كان الإعلام الإسرائيلي قد اعتصم بالصمت إزاء العملية، عملا ً بأوامر الرقابة العسكرية، فإن المؤسسة الأمنية الاسرائيلية ذهبت أبعد من حالة الاستنفار.. من أجل تحليل ودراسة أبعاد نجاح مهمة «أيوب».
لبنانياً، لم تزد المعلومات كلمة واحدة عما أعلنه الأمين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصر الله في خطابه المتلفز، أمس الأول، إلا أن المحللين الاستراتيجيين والعسكريين استرسلوا في تحليل أبعاد إنجاز المقاومة، وصولاً إلى تأكيدهم أن كل ما كتب من أوراق للسيناريو المرتقب لأي حرب مقبلة، صار بحاجة إلى تعديل جذري إن لم يكن بحاجة إلى كتابة من جديد.
الإنجاز الفعلي، على ما يؤكد المحلل الاستراتيجي العميد المتقاعد محمد عباس، يتعلق بطريقة عمل «حزب الله»، التي لم يسبقه اليها أي فصيل عربي مقاوم من قبل، والتي تتعلق بالمزاوجة بين أسلوب عمل العصابات وأسلوب الجيوش النظامية.
إذا كانت وظيفة المقاومة تقتصر سابقاً على السعي إلى الدفاع في مواجهة العدو الذي يعتدي على التراب الوطني، فقد أسس «حزب الله» لاستراتيجية ردعية متكاملة، يعتبرها أفضل وسيلة للدفاع والحماية، بحسب عباس. من هنا، لم يكن صعباً على الحزب أن يحول سلاحاً موجوداً في مخازن الجيوش العربية من 50 سنة كصاروخ «الكاتيوشا» إلى سلاح ردع فعال جعل من خلاله المستعمرات الشمالية القريبة من الحدود أهدافاً سهلة المنال. في العام 2006 صار الردع أكثر فعالية مع وصول مدى صواريخ المقاومة إلى 50 60 كيلومتراً، تضع نحو مليون إسرائيلي في العمق الاسرائيلي في مرمى نيرانه.
قبل التطرق إلى انتقال المقاومة إلى تطويع الجو، لا بد من العودة إلى أرض مفاهيم العقيدة الإسرائيلية التي نجح الحزب في هز دعائمها الواحدة تلو الأخرى. أول هذه المفاهيم كانت التفوق الاستعلامي، الذي واجهته المقاومة بنقل مسرح عملياتها إلى باطن الأرض، حيث استطاعت أن تحجب المعلومات عن العدو. ثاني مفاهيم العقيدة الإسرائيلية كان الحرب الخاطفة التي أربكها «حزب الله» في العام 2006 عندما نقل القتال إلى خلف خطوط العدو، فحرمه من القدرة على الدخول في العمق. ثالث المفاهيم وأبرزها، كان نقل الحرب إلى أرض العدو، وهو ما نجحت به إسرائيل في كل الحروب التي خاضتها مع العرب. كانت «حرب تموز 2006» الشرارة الأولى لبدء تخلخل قدرة إسرائيل على تحصين الجبهة الداخلية، بعدما خرقت المقاومة القاعدة بتهديدها شمال إسرائيل وصولاً إلى أطراف تل أبيب التي وضعها نصرالله في المعادلة الصاروخية الردعية الأشهر: «تل أبيب مقابل بيروت».
بعد نجاح طائرة «أيوب» في اختراق كل الدفاعات والرادارات الإسرائيلية وتحليقها فوق المياه الإسرائيلية ثم في أعماق البر الإسرائيلي، وصولاً إلى مشارف مفاعل ديمونا النووي، صارت المعادلة الردعية أكثر حدة. أسقط الحزب بخطوته هذه آخر الخطوط الإسرائيلية، وليس مبالغاً القول «أنه يتخبط في تداعياتها، خاصة مع ما حققته من زعزعة لثقة المجتمع الاسرائيلي بقدرة الجيش على حمايته، وزعزعة ثقة المؤسسة العسكرية بأسلحتها (سلاح الجو والدفاع الجوي)» على حد تعبير أحد القياديين في «حزب الله».
الأهم في هذا السياق، كان نجاح المقاومة في ضرب أسطورة «القبة الحديدية» التي كلفت مليارات الدولارات وأثبتت فشلها عند أول تهديد جدي، خاصة أن منظومتها لم تكن هي التي أسقطت الطائرة بل مقاتلات «أف 16» الأميركية الصنع، علماً انه يتردد أن الاسرائيليين سعوا جاهدين لإسقاطها برمجياً، على أمل الحصول عليها سليمة، من دون ان ينجحوا في مهمتهم.
كذلك أثبتت المقاومة قدرتها على خرق العمق الاسرائيلي واستباحة مجالها الجوي (الحدود القانونية وفق القانون الدولي) ومجالها العملياتي (منطقة نفوذ سلاح الجو ومنطقة عملياته)، أضف إلى أنها رسخت الثقة بقدرتها على تنفيذ كل تهديداتها بإلحاق أكبر خسارة ممكنة بالعدو وبدقة لأي هدف عسكري أو مدني تختاره.
واللافت للانتباه أيضاً أن ما حققته المقاومة لجهة قدرة الطائرة على الطيران لساعات ومسافة 300 كيلو متر فوق البحر والبر، يؤكد أن التطور الذي طال قدراتها الجوية منذ «مرصاد 1» إلى «أيوب» كان كبيراً جداً، فـ«مرصاد» التي شكلت حينها إنجازاً كبيراً لتحليقها فوق فلسطين لنحو 30 كلم، لم تكن إلا بداية الإنجاز الفعلي، خاصة أن «أيوب» ليست طائرة خفيفة كـ«مرصاد» إنما طائرة بحجم كبير تحمل عشرات الكيلوغرامات من المعدات، التي تشتمل على أنظمة التوجيه والملاحة ومحركات الدفع، إضافة إلى أجنحة طويلة ومعدات التصوير والبث والتشويش والتضليل، والأهم أنها قادرة على التحليق آلاف الأقدام عامودياً ومئات الكيلومترات أفقياً.
«بالحد الأدنى ما حصل هو إنجاز سيكون من الصعب بعده التفكير بأقل من دور عسكري لهذه الطائرات»، يقول الخبير العسكري العميد المتقاعد الياس حنا، متغاضياً عن «الدور الفعلي لإيران فيه»، والذي يرى أنه يفوق مسألة التصنيع، من دون أن يقلل من أهمية دور خبراء المقاومة. ويوضح أن تسيير هذه الطائرة غير ممكن من دون رؤيتها إن من خلال الأقمار الصناعية أو من خلال برمجتها بشكل دقيق، وفي الحالتين، «هذا أمر يتطلب تقنيات عالية جداً». يركز حنا على التوقيت، ليؤكد أن مجموعة رسائل أريد للطائرة أن تحملها في كل الاتجاهات، «ليس أقلها إبعاد النظر عن الأزمات الباقية في المنطقة، أو تمسك الحزب باستراتيجيته الدفاعية في وجه الاستراتيجيات المطروحة ولاسيما منها استراتيجية الرئيس ميشال سليمان».