أوباما على حافة الهاوية
وكالة أخبار الشرق الجديد ـ
غالب قنديل:
أدخل الرئيس الأميركي باراك أوباما رأسه في عنق زجاجة خانق وهو يرقص على حافة الهاوية فالتهديد بالعدوان على سوريا يتعرج ويتلوى بعد ظهور التداعيات المحتملة وتبلور المواقف الدولية والإقليمية على قاعدة القرار السوري بالمقاومة والردع الشامل لحلف العدوان.
أولا – بات واضحا ومحسوما أن أي عدوان على سوريا سوف يستدرج نتائج وتداعيات لا يمكن السيطرة عليها فالرد السوري سيكون ردا قويا وموجعا ويشمل مروحة واسعة من الأهداف وهو سيطال الكيان الصهيوني ناهيك عن أهداف أخرى في مرمى منظومة الدفاع السوري التي عززت مؤخرا بأسلحة فعالة وبعيدة المدى في البر والبحر والجو .
درجة الاستعداد السوري المرشحة للتصاعد في ما تظهره من وقائع وما تطرحه من احتمالات أسقطت الدعاية الافتراضية عما سماه الأميركيون ضربة محدودة وما رافقها من ترويج لسيناريوهات الاحتواء ورمزية القصف فهذا الدجل الأميركي والغربي الذي لاكه البعض في المنطقة بسذاجة سقط وبالتالي فقد رفع الرئيس بشار الأسد سقف التحدي في وجه المعتدين مستندا إلى صلابة الموقف الشعبي وتماسك الجيش العربي السوري والقوى الشعبية المقاتلة الجاهزة للانخراط في مقاومة وطنية للعدوان على جميع الجبهات ضد عملاء الناتو والمرتزقة والتكفيريين على الأرض السورية وضد الاحتلال الصهيوني في الجولان ومن خلال إستراتيجية الحرب الشعبية القادرة على تحويل التهديد إلى فرصة.
ثانيا – تكفل الرد الإيراني الحازم على التهديد بالعدوان على سوريا بتأكيد حقيقة أن ترابط منظومة المقاومة في المنطقة ثابت استراتيجيا وبان سوريا لن تكون بالتالي وحيدة في مواجهة الحلف الاستعماري الذي تقوده الولايات المتحدة وحيث وضعت في الحسابات الأميركية احتمالات بالغة الخطورة على العاملين اللذين رسم بهما باراك أوباما قرار تنفيذ التهديد بالحرب وهما أمن إسرائيل وتدفق النفط إلى الغرب .
إسرائيل انتقلت من الاحتفال باحتمال الحرب على سوريا إلى حالة من الحذر التي يخلطها قلق شديد من صمت حزب الله المخيف ومن احتمالات انتقال سوريا بردها إلى قصف صاروخي كثيف لعمق الكيان الصهيوني ومعلوم أن اللوبي الصهيوني في صلب قوى الضغط الأميركية الواقفة خلف قرار العدوان في الولايات المتحدة بينما تطرح في دوائر القرار الأميركي الاحتمالات والمخاطر المتصلة بمضيق هرمز ومنابع نفط الخليج الواقعة في مرمى النيران الإيرانية .
ثالثا – ظهرت في مخاض التهديد الاستعماري بالحرب حقيقة المعادلات الدولية الجديدة التي تؤسس لتكريس نهاية عهد الهيمنة الأحادية وفي هذا المجال شكل ثبات الموقفين الروسي والصيني في مجلس الأمن الدولي إشارة حاسمة لاستحالة العودة إلى الوراء بعد التحولات التي فرضها صمود سوريا خلال عامين ونصف وأتاح بها للشريكين الصيني والروسي تكوين سوابق جديدة من خلال الفيتو الرادع للعدوانية الأميركية في العالم ومن أبرز وقائعه التحولات الدولية ما جرى في مجلس العموم البريطاني بحيث أخرجت حكومة كاميرون من حلف العدوان بتعهد أمام النواب سيكون الارتداد عليه نذيرا بسقوط ديفيد كاميرون وبانتخابات مبكرة لن تكون لصالحه في ضوء استطلاعات الرأي بينما الشارع الأميركي يؤكد رفضه لمغامرة عدوانية جديدة .
رابعا – يقف باراك أوباما في عنق الزجاجة وهو أمام خيارين كلاهما مر ومكلف فإما الدخول في مغامرة تقود تداعياتها لتعريض النفوذ الأميركي برمته إلى الخطر الكبير وتضعه أمام احتمال هزيمة نكراء تزيد من وطأتها علامات النهوض الشعبي العربي لنصرة سوريا وهو ما برز في مواقف وطنية وقومية مشرفة من مصر والأردن وفلسطين واليمن وفي تونس غيرها وحيث يمثل إدخال إسرائيل إلى حلقة الخطر الوجودي قوة الاستنهاض الحاسمة لوضع جديد يتصدر فيه القائد بشار الأسد نهضة شعبية عربية ترد الاعتبار للقضية القومية التي لم يستطع الأميركيون تصفيتها مع أعوانهم في الخليج وتركيا وتنظيمات الأخوان المسلمين على امتداد المنطقة .
تراجع أوباما وتقهقره عن التهديد الذي حرك البوارج لجعله وشيكا سيكون هزيمة مبرمة أمام الأسد والتورط في العدوان سيكون مهلكة كبيرة للهيمنة الأميركية لأن المواجهة ستفرض بنتائجها الإقرار بالهزيمة ولن تنتهي بغير انكسار قوى العدوان وتضعضع الكيان الصهيوني وتثبيت التوازنات العالمية الجديدة التي تمانع الإدارة الأميركية قواعدها منذ سنوات وهي ترفض الاعتراف بها بينما ستجد نفسها مضطرة لذلك سواء في البحث عن مخرج من هزيمتها في الحرب أم في البحث عن مخرج لتورطها في التهديد بالعدوان على سوريا .