أهداف إسرائيل والطريق المسدود
صحيفة الوطن السورية-
تحسين الحلبي:
الهجرة المعاكسة التي يعود الإسرائيليون في فلسطين المحتلة بوساطتها إلى أوطانهم التي جيء بهم منها وإلى الولايات المتحدة وكندا وخاصة خلال العقود الثلاثة الماضية ومنهم 800 ألف يعيشون كمواطنين في الولايات المتحدة، بموجب ما نشره موقع الكنيست الإسرائيلي، أصبحت دوافعها وأسبابها واضحة تعود إلى عوامل ثلاثة تدل في مضمونها على تآكل المشروع الصهيوني والاعتراف بعدم جدوى التعويل على تحقيق أهدافه وأول هذه العوامل هو: فقدان أمن الفرد وعائلات المستوطنين ودوامة الطريق المسدود لضمان
هذا الأمن حتى بعد 73 سنة على فرض هذا الكيان.
لقد بدأت خيبة أمل هؤلاء الإسرائيليين تتضح أكثر فأكثر حين يجدون أنفسهم يشكلون عددا أقل من عدد الفلسطينيين الذين يحيطون بهم داخل كل أراضي فلسطين المحتلة التي أصبح الفلسطينيون يشكلون فيها سبعة ملايين أمام ستة ملايين ونصف مليون يهودي، بموجب الأرقام الإسرائيلية نفسها، ففي داخل فلسطين المحتلة منذ عام 1948، يوجد حسب المجلة اليهودية البريطانية «جويش تيليغرافيك» حتى 14 كانون الثاني 2021 ما يعادل 74 بالمئة من اليهود و21 بالمئة من الفلسطينيين أي مليونين تقريبا، و5 بالمئة من غير المعترف بيهوديتهم، ويوجد في الضفة الغربية ما يزيد على ثلاثة ملايين وفي قطاع غزة مليونان، ولذلك يشعر المستوطنون المحتلون في كل بقعة من فلسطين أنهم ليسوا في دولة «الوطن القومي اليهودي» الذي وعدتهم به بريطانيا والحركة الصهيونية وأنهم يعيشون وسط شعب يحكمونه بقوة الإرهاب ويعدهم محتلين سارقين للوطن والأرض ويعمل دوما على مقاومتهم بكل الوسائل، ويقارنون بين الحياة في أوروبا وأميركا فيجدون الفرق كبيراً وخاصة لأن من يحيط بهم هناك ليس معاديا بل إنهم كيهود عادة، ما يكونون أسياداً في تلك الدول أما مسألة «الهوية اليهودية» المسماة «قومية» فلم يعد لها مستقبل في فلسطين أمام سبعة ملايين ينتشرون في الداخل بينهم، في كل أراضي فلسطين، ويتربصون بهم إضافة إلى ستة ملايين لاجئ فلسطيني يتربص بهم من الخارج والداخل، وهذا الواقع لن تستطيع كل قوة الاحتلال تغييره بعد أن تمكن الفلسطينيون من البقاء فيما بقي من أراضيهم ودون التنازل عن استعادة حقوقهم.
العامل الثاني هو: عجز الاقتصاد الإسرائيلي عن إغراء الإسرائيليين بدخل يفوق دخلهم في أوطانهم السابقة بعد أن أتاح لهم قانون الاتحاد الأوروبي استعادة مواطنيتهم كأي مواطن أوروبي، وذكر الملحق الاقتصادي لصحيفة «يديعوت أحرونوت» في 21 كانون الأول 2021 أن الإسرائيليين يجدون أن دخل الفرد في أوروبا يشكل ضعف دخلهم في إسرائيل، إضافة إلى أن أكثر من مليونين من اليهود في إسرائيل يعيشون تحت خط الفقر، أي تحت دخل شهري يقل عن خمسة آلاف دولار شهرياً، وهو حدود خط الفقر بموجب القوة الشرائية ومستوى المعيشة، ويزيد عدد هؤلاء على مليونين ونصف المليون، وجاءت جائحة كورونا فتناقص نمو الاقتصاد بعد إصابة مليون و400 ألف من الإسرائيليين ووفاة أكثر من عشرة آلاف منهم نتيجة الإصابة خلال سنتين وزاد عدد العاطلين عن العمل وتناقصت القوة البشرية في جيش الاحتلال، كما يدرك الإسرائيليون أن اقتصادهم مهما تعاظم لا يتيح دخلا كافيا لنسبة كثيرة منهم وأنه يعتمد على المساعدات المالية الأميركية والغربية التي تسد ثغرات كثيرة لضمان دخل مقبول ومؤقت وليس لضمان مستقبل مستقر.
العامل الثالث هو: وصول المشروع الصهيوني إلى طريق مسدود من الداخل ومن حدوده عند جبهة قطاع غزة المسلحة وجبهة الشمال الممتدة بأسلحتها من جنوب لبنان إلى حدود الجولان المحتل وهذا يعني أنه حتى لو فرضت واشنطن وتل أبيب والغرب كله تسويات تطبيع مع دول أخرى في المنطقة فلن تغير الواقع في فلسطين ولا عند الشعب الفلسطيني ولذلك ترى قيادة مجلس المستوطنات في الضفة الغربية أن الخيارات المتاحة ضيقة ولكنها غير قابلة للنجاح وأن الخيار الذي يتعين على الحكومة اتخاذه هو فرض ضم للضفة الغربية كلها لكي تتحول مسألة ترحيل الفلسطينيين من أراضي الضفة الغربية إلى مشروع يستغرق عدة سنوات يتم فيه الترحيل بشكل تدريجي إلى دول بعيدة عن المنطقة وليس بجوارها ولا يجب أن يبقى الفلسطينيون في فلسطين المحتلة أغلبية أبداً، ولتطبيق هذا المشروع يدعو قادة مجلس الاستيطان في الضفة الغربية إلى تكثيف متواصل للمستوطنات حتى لو لم تجد الحكومة من يقيم فيها أو يسكن الآن ويمكن إبقاؤها حتى يجري استرجاع من غادر من اليهود إلى أوروبا وأميركا بعد فرض الضمانات الأمنية والاقتصادية للعيش في إسرائيل.
يحذر قادة متقاعدون في جيش الاحتلال من تآكل المشروع الصهيوني لأنه في كل خططه سيظل يواجه مقاومة من الفلسطينيين أينما كانوا وهذه الحقيقة أغفلها قادة الحركة الصهيونية الأوائل.