أنا… أحمد الدوابشة
موقع العهد الإخباري ـ
محمود ريا:
أنا أحمد الدوابشة، أحكي لكم قصة فجر أسود، عصف بي وبأسرتي، وقد بتنا ضحايا حقد ﻻ ينتهي، فذهبوا هم وبقيت أنا ملفوفًا باﻷبيض.
ﻻ، هو ليس ثوب عرس، وﻻ هو كفن بعد، هو أقرب ما يكون إلى راية استسلام عربية أمام حقد الصهاينة، هو اللفافات الطبية التي تغطي كل جسدي.. ما عدا عينيّ ووجهي.
أخبركم، لقد ارتحلت أمي قبل يومين، مضت إلى حيث سبقها أبي قبل أسابيع، وأخي اﻷصغر علي، قبل ذلك بقليل.
تعرفون… لقد اشتقت لعلي، ذلك الطفل الذي ملأ البيت نشاطاً وفرحاً، كذلك اشتقت للمسة أمي، التي لم تتمكن من أن تعتني بي وأنا في حالتي هذه، ممدداً على سريري، ﻻ أستطيع حراكًا.
أعذرها أنا، فهي لم تكن أحسن حاﻻً، هي أيضا كانت عاجزة عن الحركة، نتيجة الحريق نفسه الذي ضربني، وضرب أبي وأخي، فشتّت شمل عائلتنا، وخطف ثلاثة منها، وتركني أنا على قارعة الزمن.
ربما نسيت أن أقول لكم إنني طفل أيضاً، وكان لي أحلامي، وكنت أرنو لأعيش في كنف عائلتي، أب يدللني، وأم تعتني بي، وأن أمارس دور اﻷخ اﻷكبر.. ﻷخي الذي ما عاد موجودا.
أنا أحمد الدوابشة، أظنكم لم تسمعوا باسمي.
لقد انشغلتم قليلاً، وقليلاً فقط، باسم أخي علي، تحدثتم عنه في بعض صحفكم، وخلال بضعة تقارير على محطاتكم التلفزيونية، الكثيرة الحركة، القليلة البركة، ثم صمتّم.
خبر رحيل أبي مرَّ بلا ضجة، ولماذا تضجون؟ وليس في هذا الخبر استثمار، بل هو قد يكشف عريِّكم وعجزكم.. بل وفضيحتكم.
واليوم ها هو خبر أمي، هل سمعتم بخبر رحيل أمي؟ لا أظن. أما من يكون قد سمع بالصدفة، فهو لن يتذكر من هي، ولن يتذكر أبي.. ولا أخي علي.. فكيف سيتذكرني؟
نعم، أنا هو العضو الرابع من العائلة. انا احترقت كليّا، ولم يبقَ مني شيء يذكّر بذلك الجسد النضر الذي كان لي. ولكنني لم أستشهد بعد، يبدو أن حروقي لم تكن بتلك الفظاعة والشدّة التي كانت عليها حروق ذلك الطفل الشهيد، أو الرجل الذي قضى منذ فترة، أو المرأة التي ارتحلت بالأمس.
أنا أحمد.. قتلني صهيوني مجرم، وإن لم أمت بعد.
أعرف.. الآن ستغيبون عن السمع بشكل كامل.. ستتعطل عندكم كل وسائل الاستشعار والاهتمام والإدراك، لأن من قتلني ليس واحداً منكم، وقتلي لا يثير فتنة، ولا يفجر مجتمعاً ولا يخرّب دولة.
أنتم يا حكّام العرب ـ وأخاطب من خلالكم الكثير من رعاياكم، دام تسلطكم عليهم، وتنكيلكم بهم، لأنهم يستحقون هذا وأكثر ـ نسيتموني يوم وضعتم فلسطين خلف ظهوركم، ضيّعتموني يوم ضيّعتم القدس والأقصى، قتلتموني يوم وضعتم أيديكم بأيدي عدوّي وعدوّكم، الكيان الصهيوني.
أنتم يا حكّام العرب، السبب بأنني عاجز، وحيد، منسيّ، مضطهد… والسبب بفقداني لأبي وأمي وأخي الصغير، لأنكم تركتم قتال المجرم الصهيوني، وتشاغلتم بقتل شعوب الدول العربية، المظلومة مثلي، الضحية، كما أنا.
يا حكّام العرب!… أنا أحمد الدوابشة أتّهمكم
لا بل أنا أحمد الدوابشة أدينكم، وألعنكم، وأعلن براءتي منكم.
وإن كبرت، إن كان مصيري مختلفاً عن مصير أخي علي، فلن أسكت على جرائمكم.
أنا أحمد الدوابشة.. أنا كل طفل في هذا العالم العربي، وكل رجل وكل امرأة.. سأحاسبكم.