أمريكا و”إسرائيل”
صحيفة البعث السورية-
د. خلف المفتاح:
في العلاقة مع أمريكا و”إسرائيل”، نتحدث عن امتداد وتشابه حقيقي لأمريكا ذاتها، لأنهم – أي الأمريكيين – يعتبرونها في غالبيتهم جزءاً من “الوطن”، فهي التعبير عن الذات الأمريكية بشكل مكثف ومركز، فما الذي تعيبه على “إسرائيل” إذا كنت أمريكياً؟ فإذا تحدثت عن سكان أصليين – هم الفلسطينيون – فأنت قتلت السكان الأصليين، وإذا تحدثت عن التوسع والاستيطان فأنت توسعت واستوطنت وطردت واشتريت بعض الأرض بـ “قدح من خرز”، وثمن بخس، فأنت لا تستطيع أن تعيب على “إسرائيل” أمراً أنت مارسته، وإلا ستكون غير وفي لتاريخك أو متصالحاً معه، ولو أردت أن تعيب على “إسرائيل” سرديتها الدينية التي تتكلم عن “الشعب المختار”، وأن الله قد خصهم بالأرض من غير البشر فإنك أيضاً ستعيب على نفسك أن ادعيت ذات الإدعاء، حيث جئت بالإنجيل لتعلم وتدرب من أسميتهم المتوحشين، وتدلهم على الإيمان. لذلك، علينا ألا نستغرب العلاقة بين أمريكا و”إسرائيل”، فهما حالة واحدة متشابهة في البنية، فلا تناقضات جوهرية بينهما، بل حالة من التماهي، ولربما تختلف الإدارة المركزية الفيدرالية في واشنطن، مع بعض الولايات، أكثر بكثير من خلافاتها مع ولايات أخرى. والخلافات إذا حدثت مع “إسرائيل” خلافات في البيت الواحد والأسرة الواحدة، ولعل هذه العلاقة الخاصة هي التي تبقي “إسرائيل” قاتلة مجرمة لا تكترث بأحد ولا تخشى لومة لائم.. زد على ذلك أن القانون الدولي والشرعية الدولية أساس إنتاجهما هو الولايات المتحدة الأمريكية، فعندما تقول أمريكا “لا”، فهذه هي الشرعية الدولية، والدليل ما يجري في غزة، فالتماس القانون الدولي والشرعية الدولية في ظل هكذا حالة هو ضرب من الخيال والعبث، والشيء الوحيد الذي تحترمه أمريكا وتتعامل معه هو موازين القوى، ولا تعتدّ بأي شيء غير ذلك، من عواطف وكلام ومجاملات سياسية، وتتعامل مع مصالحها وليس لها حليف أو صديق.
ومثلاً، كان شاه إيران محمد رضا بهلوي أهم حلفائها ومحقق مصالحها، وعندما سقط بفعل الثورة الإيرانية لم تسمح لطائرته بالهبوط في أمريكا لأخذ العلاج، لا بل أن بعض الوثائق في أجهزة المخابرات الأمريكية تشير إلى أن أمريكا كانت مستعدة لتسليمه لحكومة الثورة الإيرانية مقابل إطلاق “رهائن” السفارة الأمريكية المحتجزين في طهران، فأمريكا لا تحترم عملاءها على الإطلاق.
مثال آخر من مصر، في أثناء حكم السادات، إذ قام بمفاجأة لم يخبر بها أحداً، وهي طرد الخبراء العسكريين السوفييت، عام 1972، وتوقع أن أمريكا ستكافئه على ذلك، ولكن ذلك لم يحصل. وعندما سأل هنري كيسنجر عن ذلك – وهذا وارد في مذكراته – أجابه: “إنك قمت بذلك دون أن تستشيرنا، ونحن نعتبر ذلك هدية مجانية منك، والهدية لا يكون لها ثمن، ولو كنت حدثتنا بذلك قبل القرار وطلبت ثمناً لكنت قد قبضته”. وهذا يدل على غياب التفكير الاستراتيجي عند الحكام العرب الذين تعاملوا مع أمريكا، سيما وأن أمريكا، منذ تيودور روزفلت، عندما فكرت بتحالف مع حاكم تعتمد عليه في المنطقة لم تجد إلا أتباعاً أو زبائن، وليس حلفاء، إلا الكيان الصهيوني، وما عدا ذلك حراس مصالح، وهو ما حصل بعد ذلك بثلاث سنوات، عند إقامة الكيان الصهيوني بوصفه وكيلاً.