أسرار صفقة السلاح الفرنسي للجيش اللبناني ..!!
صحيفة السفير اللبنانية –
محمد بلوط:
خَرْق أول في «المكرمة السعودية»، بعد انتهاء المفاوضات على لائحة الأسلحة الفرنسية للبنان، في انتظار إبرام الصفقة. المليارات الثلاثة السعودية لتسليح الجيش اللبناني، سقط منها في بداية الطريق 150 مليون دولار لحساب شركة «أوداس» الرسمية الفرنسية لتوسطها في عقد الصفقة، وذلك من ضمن اتفاق نصَّ على منحها 5 في المئة من الهبة السعودية، من دون استبعاد وجود وسطاء آخرين في الصفقة مثلّثة الأضلاع.
ويُعدّ هذا الاتفاق خرقا لشروط الصفقة كما وضعها على الطاولة رئيس الديوان الملكي السعودي الشيخ خالد التويجري، الذي كان اشترط ألاّ يتدخل وسطاء في المفاوضات بين اللبنانيين والفرنسيين على تسليح الجيش اللبناني، وألاّ تتقدم الشركات المصنّعة لعرض أسلحتها خلال المفاوضات، وأن يتم التواصل بين الأركان اللبنانية والفرنسية مباشرة وتكريس المبالغ كلها لشراء ما أمكن من الأسلحة والعتاد والذخيرة، تنفيذا للخطة الخمسية اللبنانية العسكرية، وعلى قاعدة مفاوضات، ومن ثم صفقة بين دولة ودولة.
لكن يبدو أن رئيس الأركان الفرنسي السابق ادوارد غييو، وهو رئيس مجلس ادارة «أوداس» حاليا، قد نجح قبل موعد انتهاء خدمته العسكرية في 15 شباط الماضي، في جعل شركته طرفاً وسيطاً في الصفقة مع السعودية، بخلاف ما كان متفقاً عليه في البداية.
وكان لافتا للانتباه أن رئيس الأركان الفرنسي السابق أشرف شخصيا على تقديم اللوائح الى الأركان العسكرية اللبنانية، وزار بيروت في 20 كانون الثاني الماضي للتعجيل بإنجاز الصفقة قبل 15 شباط. وعندما ذهب وفد لبناني عسكري (برفقة قائد الحرس الجمهوري) للتفاوض مع السعوديين في 7 شباط الماضي، فوجئ بوجود الأميرال غييو هناك، وكان لا يزال رئيسا للأركان، وبدا في هذه الجلسة مستعجلا لإنجاز الصفقة مستفيدا من الحاح التويجري بأن يبدأ التنفيذ سريعا.
وبحسب مصادر فرنسية، كرّر خالد التويجري، خلال الجلسة، «قواعد اللعبة»، وقال إنه سيوقف الصفقة اذا ما جرى مجرد الاتصال بوزارة الدفاع السعودية. ويقول مصدر فرنسي واكب المفاوضات لـ«السفير» إن الأميرال غييو عمل قبل تقاعده وتوليه رئاسة «أوداس»، على ربط الصفقة بالشركة، وقد يكون أقنع الرئيس فرانسوا هولاند بأن السعوديين موافقون على دخول شركته في الوساطة.
وتشرف الشركة الفرنسية عادة على المفاوضات التسليحية من دولة الى دولة، بعد إصلاح نظام تجارة الأسلحة الفرنسية، ومنع تدخل الوسطاء، والسيطرة عبر شركة عامة، على سوق «العمولات» بعد أن تسرّب الكثير منها، نحو الاحزاب الفرنسية، والوزراء، وتسببت بفضائح سياسية، أبرزها صفقة الغواصات مع باكستان، التي طالت رئيس الوزراء الفرنسي الأسبق ادوارد بالادور والرئيس الفرنسي السابق نيكولا ساركوزي.
وتربط مصادر فرنسية مطلعة على المفاوضات في تنفيذ الهبة السعودية، دخول «أوداس» على الخط بمقاربة تفاوضية متناسقة مع لائحة الأركان الفرنسية الى الجانب اللبناني، منذ بدء الحديث عن الهبة، بحيث لم يتح للبنانيين التقدم بالطلب كما تفرض الأصول، لا بل إن قائد الجيش اللبناني العماد جان قهوجي عاد من زيارته الأخيرة الى باريس بانطباع سلبي مفاده أن الفرنسيين يحددون ما يريدون تسليمه ولا ينتظرون من اللبنانيين ما يريدونه لجيشهم من حاجات فعلية.
وبالفعل، لم ينتظر الفرنسيون أن تتقدم الأركان اللبنانية بلائحة مطالبها، كما جرت العادة في صفقات الأسلحة الكلاسيكية، وكما نص الاتفاق مع السعوديين، بل تقدموا هم بلائحة تعكس خياراتهم المالية والعسكرية والإستراتيجية، ولا تتطابق في معظمها مع مطالب العماد قهوجي، قبل أن تسفر المفاوضات بين باريس وبيروت عن التوصل الى اتفاق اعتبره الطرفان مرضيا لكل منهما.
مظهر آخر من غلبة المصالح الفرنسية على الخيارات اللبنانية في المرحلة الأولية من المفاوضات: الاستعجال بإنهاء لائحة الاسلحة بأسرع وقت ممكن، الامساك حتى النهاية بنوعية الاسلحة، تفادي الدخول في تفاصيل التسليح وتأهيل البحرية وسلاح الدبابات والمروحيات.
وكان لافتا للانتباه أن الفرنسيين منحوا الاركان اللبنانية ما اعتبروه «الوقت الكلاسيكي الكافي لمواءمة ما يعرض عليها مع الطلبات اللبنانية»، وهذا شق يحتاج الى وقت اطول مما حصل في الصفقة اللبنانية.
وكان اللبنانيون قد رفضوا العرض الفرنسي الأول المقدم في 20 كانون الثاني، الأمر الذي استدعى عودة الفرنسيين بعرض ثان معدل في 13 شباط الماضي (خلال أقل من شهر).
ويبدو ان الرئيس اللبناني العماد ميشال سليمان قد رفض التصديق على اللائحة التي لم تلحظ تزويد لبنان بصواريخ «كروتال» ودبابات «لوكلير». وفي 25 شباط الماضي اجتمع سليمان، في بيروت، بمستشار الرئاسة الفرنسية ايمانويل بون والجنرال بنوا بوغيه قائد الاركان لدى الاليزيه. وقد سعى الأخيران لاقناع رئيس الجمهورية بالموافقة على لائحة جديدة، والاستغناء عن طلب «الكروتال»، الذي سيرهق الميزانية اللبنانية، «وسيلتهم الجزء الاكبر من الهبة السعودية» على حد تعبير الجانب الفرنسي.
ويقول مصدر مطلع ان الخلاف في المقاربتين الفرنسية واللبنانية، ليس تفصيلا بسيطا. اذ يبحث اللبنانيون عن الاستفادة بأقصى حد ممكن من الهبة السعودية لتحديث جيشهم، بينما تخضع المقاربة الفرنسية الى ضغوط اسرائيلية، في اختيار اسلحة لا تمس بهيمنة تل ابيب على الاجواء اللبنانية، ولا بأي عنصر من عناصر التفوق العسكري الاسرائيلي في الشرق الأوسط.
وللمرة الثانية منذ السبعينيات، لن يحصل الجيش اللبناني على مبتغاه من شبكة صواريخ «الكروتال» الفرنسية، لحماية الاجواء اللبنانية. وفي هذا السياق، ذكرت صحيفة «لا تريبون» الفرنسية ان احتمال ان يقوم «حزب الله» بوضع اليد على هذه الصواريخ الفعالة ضد الطائرات، لو اعطيت للجيش اللبناني، هو احتمال لعب دورا في اسقاط «الكروتال» من الصفقة. ويبلغ مدى هذا الصاروخ الفرنسي المضاد للطائرات، من 13 الى 15 كيلومترا، مما يجعل منه مصدر تهديد جدي للطائرات الاسرائيلية. ومن المتوقع أن يحصل الجيش اللبناني على بطاريتي صواريخ ارض جو من طراز «ميسترال»، بحيث يبلغ المدى النظري للصاروخ 5 الاف متر، فيما يبلغ المدى الفعلي 3 الاف متر(بدأ التفاوض على شراء بطارية واحدة، قبل ان يتم الاتفاق في النهاية على بطاريتين).
وعمد الفرنسيون في المفاوضات الى الاستغناء عن اي سلاح في اللائحة لا يرغبون في بيعه، او لا يتوفر في مستودعات الجيش الفرنسي، او توقف انتاجه كالدبابات المتحركة على عجلات، من طراز «ام اكس»، او «ساغيه»، التي اقترح اللبنانيون شراءها. ولن يستطيع الجيش اللبناني الحصول على دبابات برغم أن المبلغ المرصود، يسمح بتحديث سلاح الدبابات في لبنان الذي يعتمد بشكل واسع على هبة سورية (في تسعينيات القرن الماضي) من 200 دبابة من صنع أوروبا الشرقية.
وتظهر العجلة في اقفال النقاش، في عدم التوصل الى اتفاق بشأن دبابات «اللوكلير»، اذ طلب اللبنانيون 30 دبابة مصفحة من هذا الطراز الاحدث تكنولوجيا، ولكن الفرنسيين قدموا مهل تسليم غير واقعية، لا تسمح باستيعاب هذه الدبابات وانشاء كتيبة فعّالة منها. اذ اقترحوا تسليم تسع مصفحات بعد 3 سنوات، على ان يجري تسليم البقية في مهل متباعدة.
ولاحقا، ابلغ الفرنسيون الجانب اللبناني ان «اللوكلير» التي تزن اكثر من ٥٠ طنا، لا تصلح للعمل وسط شبكة المواصلات اللبنانية، خصــوصا في الجنوب اللبناني. كما ان كلفة صيانتها السنوية تصل الى عشرة ملايين يورو.
وتتضمن الصفقة شبه النهائية بين لبنان وفرنسا، اربعة زوارق دورية من طراز «أدروا»(ADROIT) يبلغ طول الواحد منها 40 مترا، وهي قادرة على الابحار 20 يوما، ومزودة بمدفع ايطالي من عيار 76 ملم، بدلا من مدفع فرنسي من عيار 20 ملم، علما أن لبنان كان طلب تزويده بزوارق بطول ثمانين مترا، لحماية منشآته النفطية مستقبلا. ولكن عدم وجود احواض جافة تتسع لاصلاحها وصيانتها في السواحل اللبنانية، أدى الى صرف النظر عنها لمصلحة شراء زوارق بطول 40 مترا.
ولن يحصل لبنان على طائرات مروحية مقاتلة جديدة. ويتجه الفرنسيون الى تزويد الجيش اللبناني بمروحيات «غازيل» قديمة، مزودة باربع منصات لاطلاق صواريخ «هوت»، مصدرها مستودعات الجيش الفرنسي الذي قرر اخراج 265 طائرة «غازيل»، تدريجيا من الخدمة، واستبدالها بمروحيات «تيغر».
وفي المقابل، سيحصل الجيش اللبناني على مروحيات حديثة من طراز «بوما اي سي 725» لنقل الجنود. وستقدم «تالس» شبكة رادارات لتغطية الاجواء والمياه الاقليمية اللبنانية وتجهيز القواعد الجوية في القليعات ورياق وحامات، برادارات تمكن لبنان من الاستعانة بهذه المطارات، في حال توقف رادار مطار بيروت الدولي عن العمل في أية حالة طارئة.