أسئلة عمر أبو ليلى وإجابات الدم المشتبك
موقع العهد الإخباري ـ
محمود ريا:
ذهب عمر أبو ليلى ضحية خيانة أخرى.
قدّم كل ما لديه، هزّ أركان الاحتلال، حطّم كبرياء العدو وجبروته.. ورحل.
وقبل أن يرحل طرح الكثير من الأسئلة التي لم يستطع دوي صواريخ اللاو التي أطلقت عليه، وصدى الرصاصات الكثيرة التي أصابته أن يشوّش عليها، لا بل هو ترك الفرصة لها لتتخطى حدود بلدة عبوين التي تخفّى فيها، لتصل إلى كل الآفاق، فيسمعها “مَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ”.
كانت أسئلة عمر أبو ليلى صريحة وواضحة ولا تحتاج إلى مفسرين ومترجمين ليفهمها الناس، ولا إلى وسائل إعلام أو تواصل لتنقلها، لأنها أسئلة بديهية، تنبع من نفس كل واحد منا، كل شخص لم يستطع الاحتلال أن يطبع قلبه بالرّين، أو يشتري روحه بالشيكل، أو يرشو جيبه بالدولار.
أسئلة عمر تنبت كزهرة نديّة في أرض تلقّفت دمه لتحوّل قطراته إلى عرس لا تنتهي مواويله، وإلى شجر كثير، أكثر من قدرة الفأس والحطاب على اجتثاثها لتحويلها إلى توابيت لكرامة الأمة المندثرة تحت شعار التنسيق الأمني والتطبيع والتسوية والسلام.. وغير ذلك من العناوين.
ماذا قال عمر أبو ليلى في أسئلته؟
سأل وهو يتلقى أول رصاصة من الاحتلال الغاصب: من الذي أوصل جنود العدو إلى هنا؟ كيف استطاعوا أن يعرفوا مخبأي؟ من الذي دلّهم على هذا المكان القصي؟ من سهر الليل وجافى النوم عينه في النهار كي يقدم للعدو هذه الخدمة الثمينة لجنوده، والمجانية المردود لفلسطين وشعبها؟
سأل عن التنسيق الأمني وعن السلطة التي يجب أن تكون في خدمة شعبها.
سأل عن الأجهزة الأمنية التي تتنافس في تحقيق الإنجازات العظيمة، ولكن ليس للمقهورين من أبناء فلسطين.
سأل عن الفصائل التي تملأ الدنيا صراخاً، وتخوض معارك وهمية وجانبية، بين بعضها البعض، فيما تعجز عن إنتاج “عمر أبو ليلى” جديد كل أسبوع، بل كل يوم وساعة ودقيقة.
سأل وهو يشهق الشهقة الأخيرة: ماذا لو لم أقتل، وبقيت كابوساً يؤرّق الاحتلال. وماذا لو لم يقتل قبلي أشرف نعالوة، ومن قبله أحمد جرار، وباسل الأعرج، وصالح البرغوثي، وكل الأبطال الذين تحركهم روح المقاومة، فيصنعون للأمة تاريخاً جديداً، ويكتبون للعدو نهايته المحتومة؟
لو بقينا كلنا، لو لم يقتلنا تخاذل البعض وتآمر البعض الآخر، لكنّا تحوّلنا إلى صوارم تحصد رؤوس المحتلين، وقنابل تفجّر أجسادهم وأحلامهم، ولجعلنا اليأس يغزو قلوبهم وعقولهم، ولدفعناهم لأن يخرجوا من أرضنا، بلا منّة مفاوضات التسوية، ولا شروط الاستسلام والانهزام.
ولكن، كما وجد باسل الأعرج أجوبته الخاصة، في لحظة تتويجه بصفة “المثقف المشتبك”، فإن الشاب المتورّد الوجه، عمر أبو ليلى، وجد أجوبته كلها في وجه شاب آخر أكثر تورّداً، يجهّز سكينه وقبضته وروحه، ليصفع الاحتلال صفعة جديدة، ويطعنه الطعنة النجلاء، التي ستجعله يفهم أن هذه الأمة حيّة، بالرغم من وجود العفن في بعض أبنائها، وبالرغم من التنسيق والتضييق والتفريق، وبالرغم من التنظير والنواطير والباحثين عن مصلحة شخصية ورضى القيادة الصهيونية.
عمر أبو ليلى سأل ومضى، وسيأتي ألف مجاهد، ليسألوا أسئلتهم الخاصة، ويجيبوا عنها بدمائهم.. وتتحرر فلسطين.