أردوغان بين أطماعه والإستحقاق الإنتخابي
صحيفة الوطن السورية-
الدكتور قحطان السيوفي:
الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، كان لاعباً لكرة القدم، اقتحم ميدان السياسة بلباسه الرياضي، وفي هجمة سياسية داخلية تكتك على فريقه أولاً ليخرجه ويبقى الدكتاتور الأوحد المتسلط في الملعب، وحاول إعادة رسم الخرائط السياسية والثقافية، باتجاه تركيا العثمانية التوسعية التي طوى زمنها وعقلها أتاتورك.
يبدأ العدّ العكْسي للانتخابات الرئاسية التركية، المتوقعة بعد عام، وأردوغان يضع كلّ ثقله للفوز فيها، ووظف الدولة، حتى الاقتصاد والسياسة الخارجية، في حملته الانتخابية.
أردوغان يتأرجح بين أطماعه العثمانية العدوانية التوسعية والانتخابات الرئاسية المقبلة، ويلعب على حبال السياسة ويعيد التموضع في السياسة الخارجية محاولاً تطبيع العلاقات مع قوى مختلفة وأساسية في المنطقة كانت على علاقات صدام معها.
الرئيس اللعيب عندما أرادت الإدارة الأميركية أن تلامس خيارات، توجه أردوغان إلى روسيا في هجمة مرتدة، واشترى منظومة s400، وفتح أبواب تركيا لأصوات الإعلام الإخوانية المصرية، ثم وبأسلوبه الانتهازي أعاد أردوغان دوزان أوتاره السياسية والإعلامية، ومدَّ يده إلى مصر، وإلى دول الخليج، لكن حركته التصالحية في الإقليم لم تؤتِ ثمارها إلى الآن.
بالنسبة لإسرائيل، تظاهر بدعمه للقضية الفلسطينية، لكنه بدهاء المراوغ، أعاد العلاقات القوية مع الكيان الإسرائيلي.
أردوغان يدق طبول عملية عسكرية عدوانية محتملة في شمال سورية منذ 23 أيار الماضي لإنشاء «مناطق آمنة»، ساعياً لاستغلال الظروف الإقليمية والدولية ولتحسين تموضعه الانتخابي، والهدف المُعلن من العملية العسكرية التركية حسب صحيفة «زمان» التركية إقامة منطقة آمنة داخل سورية بعمق 30 كيلو متراً، لتوطين مليون لاجئ سوري فيها لأنهم يسببون ضغطاً اجتماعياً واقتصادياً وأمنياً على تركيا.
المنطقة الآمنة المزعومة هدفها إحداث تغييرٍ ديموغرافي وتطهير عرقي، وإنقاذ أردوغان في الانتخابات المقبلة، وقد وجهت واشنطن رسائل تحذير له، لأن العملية العسكرية وحسب وزير الخارجية الأميركي، ستعرض المنطقة للخطر وستقوض الاستقرار، كما حذر البنتاغون والكونغرس من احتمالات تعرض تركيا للعقوبات إذا ما أقدمت على خطوة جديدة لمهاجمة الحليف الكردي في سورية، بالمقابل حذرت روسيا من أي تحرك عسكري تركي في شمال سورية، وقالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية، إن موسكو تأمل في أن تمتنع أنقرة عن الأعمال التي قد تؤدي إلى تدهور خطير للأوضاع في سورية، وأنه لا يمكن ضمان الأمن على الحدود السورية- التركية إلا بنشر قوات الأمن التابعة للحكومة الشرعية السورية بدمشق، ومن جهة أخرى، عكست المباحثات التي جرت بين وزير الخارجية التركي ونظيره الروسي في أنقرة، مؤخراً، تباعداً في مواقف بلديهما بشأن الملف السوري والعملية العسكرية التركية المحتملة.
تمسك سيرغي لافروف بموقف روسيا في التحذير من أي عملية عسكرية تركية جديدة في شمال سورية، بالمقابل تدرك تركيا أن القيام بعملية عسكرية في شمال سورية، تستدعي بالحد الأدنى عدم وجود ممانعة شديدة أميركية وروسية، والعملية تصطدم برفض أميركي ـ روسي.
وفي انتهازيته المعروفة يحاول أردوغان استغلال الصراع الدولي في أوكرانيا، لتحقيق مكاسب جيو إستراتيجية، عمل على مُعارضة انضمام فنلندا والسويد إلى الناتو مقابل أخذ موافقة أوروبية على إنشاء منطقة آمنة شمال سورية، وأيضاً توقّف دعم البلدين لأتراك من أصول كردية على الأراضي السويدية والفنلندية وتسليمهم للسلطات التركية، وهذا ما عارضته تلك البلدان.
تَجهد روسيا في محاولة إيجاد مخرج مناسب لأنقرة، يبدّد مخاوف الأخيرة الأمنية، ويمنع أي عملية عسكرية جديدة، وموسكو تعمل من أجل اتفاق بين دمشق و«قسد»، ينزع الذرائع التركية وتطلب من «قسد» تسليم المناطق المُهدّدة بالهجوم للجيش السوري بالكامل وأوضح مصدر في وزارة الخارجية السورية أن «ما يقوم به النظام التركي لإنشاء ما يسمى «منطقة آمنة» على الأراضي السورية عمل مشين من أعمال العدوان وجزء من سياسة التطهير العرقي والجغرافي التي تمارسها حكومة رجب طيب أردوغان في الأراضي السورية المحتلة، وهي جرائم حرب ضد الإنسانية…».
وشدد المتحدث باسم الأمم المتحدة ستيفان دوجاريك على رفض المنظمة الدولية أي عمل عسكري جديد في سورية، وقال المتحدّث باسم الخارجية الإيرانية إن إيران تُعارض أي عمل عسكري.
وسط توقّعات تُشير إلى أن طهران لن تكتفي بالاعتراض عن طريق الأدوات الدبلوماسية، أردوغان يحاول اليوم الاستفادة من اشتداد حدة الصراع الأميركي الروسي، لاقتناص ما يستطيع اقتناصه من مكاسب وفرص خبيثة وعدوانية وتصريحاته حول إنشاء المنطقة الآمنة تكشف الألاعيب العدوانية التي يرسمها هذا الديكتاتور العثماني ضد سورية ووحدة أرضها وشعبها.
أردوغان تراجعت شعبيته إلى 30-32 بالمئة، حسب استطلاعات الرأي، ويستغل مهارته في نصب الأفخاخ للمعارضة، واستغلال التطوّرات العالمية، من أجل تسييلها «إنجازات» على الساحة السورية، وتقول صحيفة «يني شفق» الموالية لأردوغان، إن «القوى المعادية» تَجمع أوراقها في سورية لمنْع تركيا من تنفيذ تهديداتها، وهو ما يشير إلى احتمال إرجاء العملية العسكرية.
أخيراً سواء نفذ أردوغان تهديداته أم تراجع عنها، فإننا نقول له إن سيادة سورية واستقلالها وسلامة ووحدة أراضيها لن تكون محل ابتزاز أو مساومة يمارسها نظامك العدواني العثماني المتطرف.
ويبقى أردوغان يتأرجح بين أطماعه العدوانية التوسعية وملعب الانتخابات الرئاسية، تبدو عليه ملامح لعيب أرهقه الوقت الإضافي في ميدان الزمن السياسي، الذي ستحسم مصيره صناديق الاقتراع.