“أبو زينب” السر الذي أوجع المحتل.. الرهان على المقاومة ينتج إنتصارات
عندما تقرأ او تشاهد قصة وحكاية الاستشهادي في المقاومة الاسلامية عامر كلاكش “أبو زينب”، لا يمكنك إلا أن تقف وقفة إجلال وإنبهار امام هذا الانسان الفريد ولا يمكن إلا أن تهتز مشاعرك وتحاكي دمعتك قلبك، فهذه العملية ضد العدو الاسرائيلي، كانت براقة بكل مناحيها لا سيما بتنفيذها في العمق المحتل في العاشر من آذار/مارس من العام 1985 وما تلاها من سرية تامة لفّت كل تفاصيلها خاصة هوية الشهيد المجاهد التي بقيت طي الكتمان الى ان أعلن الامين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله عن اسم الاستشهادي البطل في احتفال التحرير من العام 2000.
وأهمية هذه العملية تتعلق بنفس مضمونها، فهي ككل العمليات الاستشهادية تضرب عميقا في جسد وفكر كيان العدو وأركان جيشه وأعصاب جنوده وقادتهم، ناهيك عن أهمية العملية من حيث المكان والزمان والنتائج التي أحدثتها، فمن حيث المكان نُفذت العملية على بعد مئة متر من الحدود اللبنانية الفلسطينية حيث كان يعتقد العدو ان هناك يمكنه التنقل بأمن وأمان بعيدا عن عيون وأيادي وبنادق وعبوات مجاهدي وقادة المقاومة، أما من حيث الزمان فهي تمثل ضربة قاسية لردع العدو الصهيوني المتغطرس، فقد جاءت العملية في “عز” جبروت واستكبار هذا العدو بعد سنوات طويلة من غيه وبطشه بحق الفلسطينيين واللبنانيين وغيرهم من العرب والمسلمين في لبنان وبقية الدول المحيطة.
أما من حيث النتائج فقد ذاق العدو الاسرائيلي الأمرّين من هذه العملية، وفي النتيجة المباشرة تسببت بمقتل 12 عسكريا صهيونيا واصابة 14 وبث الرعب في بقية هذا الجيش المحتل وعملائه ممن اعتقدوا ان الاحتلال يستطيع حمايتهم قبل ان تثبت الايام انه أوهن من بيت العنكبوت وأعجز من ان يحمي أي جندي او ضابط في جيشه.
وبحسب بيان وزعه الاعلام الحربي عن العملية في آذار من العام 2019 “فقد نفذت العملية على بعد مائة متر من شمالي مستوطنة المطلّة في مكان يُطلَق عليه اسم باب التينة، واستهدفت قافلة عسكرية اسرائيلية مؤلفة من سبع قطع، تحمل عشرات الجنود الصهاينة، ظهرت سيارة بيك آب محمّلة بتسعمائة كيلوغرام من المتفجرات، سارت ببطء متوجّهة نحو القافلة، محدثة انفجاراً هائلاً، هزّ المنطقة بأسرها، وأُحضِرت رافعات ضخمة إلى مكان الانفجار لرفع قطع السيارات المحترقة وبقاياها”.
كل هذه النتائج والخسائر المادية المباشرة كانت ضرورية لإيصال الرسائل لهذا العدو بأن العمليات مستمرة بكل صنوفها لا سيما الاستشهادية منها التي انطلقت مع فاتح عهد الاستشهاديين أحمد قصير في العام 1982 وصولا الى التحرير ودحر الاحتلال عن الاراضي اللبنانية المحتلة(باستثناء مزارع شبعا وتلال كفرشوبا) في العام 2000، وبالاضافة الى كل ذلك والاهم في هذه العملية هي السرية التامة التي رافقت اسم الشهيد حيث بقي سرا بكل ما للكمة من معنى، وعرف بأنه الشهيد “أبو زينب” بدون أن يستطيع العدو ان يعرف حقيقة هوية منفذ العملية، ما يدلل على التفوق الكبير للعمل الاستخباري للمقاومة بمواجهة الاحتلال على الرغم من فارق الامكانات العملية والعلمية والبشرية بين الجهتين في ذلك الوقت، فالمقاومة كانت حركة إيمانية وجهادية قدراتها محدودة الى حد كبير بينما العدو كانت تسخّر له كل الامكانات للتنكيل بأهلنا وشعبنا في المنطقة المحتلة كما في فلسطين.
وأيضا يسجل مدى صبر عائلة الشهيد الضيقة ولا سيما والدته التي كانت تعلم بالعملية منذ ما قبل تنفيذها، بل انها أعطت موافقتها عليها، ومع ذلك صبرت وتماسكت لسنين طويلة رافضة الانكسار امام الاحتلال، وكان لها بالسيدة زينب بنت الامام علي(ع) خير أسوة ومثال بصبرها وثباتها، ولا شك ان من تكون والدته بهذا القدر من العظمة والقوة والصلابة يستحق بجدارة ان يكون حاملا للقب “الشهيد ابو زينب”..
ولا شك ان هكذا شهداء وأمهات، كانوا يكتبون بدمهم وصبرهم أجمل قصة عشق للأرض والوطن والدين ويخطون حكاية التحرير الذي تحقق بعد سنوات بفضل سلاح المقاومة والتضحيات الجسام من كل هذا الشعب صاحب البصيرة والصبر بدون رهانات خاطئة على أحد، وقد أثبتت الأيام والتجارب ان من يراهن على المقاومة وسلاحها وشعبها لا يحصد إلا الانتصارات المتتالية..