أبعد من التطبيع: مناطق “السلطة” كمستعمرة إقتصادية خالصة
موقع قناة الميادين-
إبراهيم علوش:
لا بد من إلقاء الضوء على “بروتوكول باريس” الذي قنّن صلاحيات السلطة الفلسطينية على البحر والهواء والتراب.
بينما كان الكيان الصهيوني ومصر والاتحاد الأوروبي يوقعون اتفاقاً لتصدير الغاز الفلسطيني المسروق إلى أوروبا، في محاولة لإيجاد بديل للوقود الروسي إلى القارة العجوز، ناشدت السلطة الفلسطينية “منتدى غاز شرق المتوسط” الذي تنتمي إليه، كما ناشدت “إسرائيل” أن تسمح لها باستغلال حقل غاز “مارين” قبالة شاطئ غزة.
يحتوي حقلا “مارين 1” و”مارين 2″، على بعد 30 كم من شاطئ غزة، 1.4 تريليون قدم مكعب من الغاز، لكن استثمارهما معطّل إسرائيلياً بموجب “بروتوكول باريس” لعام 1994؛ المعادل الاقتصادي لاتفاق “أوسلو”.
ينصّ البروتوكول على أن التنقيب عن الموارد الطبيعية لا يتم بدون إشراف ممثلين صــهاينة، أي لا يتم من دون موافقة الجانب الصهــيوني، كما جرت الإشارة في مادة “حصاد التطبيع الرسمي مصرياً” في الميادين نت في 24/5/2022.
يُشار إلى أن عقود استثمار حقلي “مارين 1″ و”مارين 2” أحاطت بها شبهات فساد كبيرة، كما تشير تقارير إعلامية في شبكة الإنترنت، إنما يبدو أن قدرة السلطة الفلسطينية على استثمار الحقلين معطلة حتى الآن مع فساد أو من دونه.
ولا بد من التأكّد، في جميع الأحوال، إذا ما كان الكيان الصهيوني، القائم وجودُه على السرقة والسطو المسلح، يضخ الغاز من حقلي “مارين”، أسوةً بحقل “كاريش”، ولا سيما أن مسافة 30 كيلومتراً التي تفصلهما عن شاطئ غزة تبقى أقل مدى من بعض صواريخ المقاومة التجريبية التي تطلقها دورياً باتجاه البحر.
وبعيداً عن “كاريش” و”مارين”، من البديهي أن كل الحقول التي يضخ منها الصهاينةُ الغازَ بينهما هي حقولٌ محتلةٌ، إنما لا بد من إلقاء الضوء على بروتوكول باريس الذي قنّن صلاحيات السلطة الفلسطينية على حقلي “مارين”، وعلى البحر والهواء والتراب، وقنن حتى مياه الشرب التي يمكن أن يستخرجها الفلسطينيون من أرضهم، ناهيك باستخدامها للزراعة والصناعة.
بروتوكول باريس نموذجاً للعلاقة الاقتصادية مع الكيان الصهيوني
يُذكر أن للكيان الصهيوني اتحاداً جمركياً مع الضفة وغزة فُرِض كأمر واقع منذ احتلالهما عام 1967، وكُرّس “قانونياً” في بروتوكول باريس الموقع بين السلطة الفلسطينية والكيان الصهيوني عام 1995 أيضاً. هذا البروتوكول وقّع، بصيغته الأولية، كجزء من اتفاق “غزة – أريحا” عام 1994، الذي أخرج السلطة الفلسطينية إلى حيز الوجود، ومن ثم جرى تعديله وتوقيعه كاتفاق منفصل عام 1995.
يُذكر أيضاً أن بروتوكول باريس يفرض الشيكل عملةً رسميةً في مناطق السلطة الفلسطينية، ويحظر عليها إصدار عملتها الخاصة أو سنداتها، كما أنه يجعل السلطات الإسرائيلية رقيبةً على أي استيراد وتصدير يجري عبر مناطق السلطة الفلسطينية، ووصيةً على جمع أي جمارك ورسوم وضرائب على التجارة بين السلطة الفلسطينية والعالم الخارجي، لتقرر “إسرائيل” بعدها كم ستحسم منها، وكم ستحوِّل إلى السلطة، بناءً على اعتباراتها السياسية والاقتصادية الخاصة. على سبيل المثال، تحسم “إسرائيل” من مستحقات السلطة الفلسطينية رواتب عائلات الأسرى والشهداء. كما يعطي بروتوكول باريس “إسرائيلَ” صلاحية تغيير الجمارك والرسوم والضرائب على التجارة الخارجية مع السلطة، أو فرض المزيد منها، كما ترى مناسباً!
جعل بروتوكول باريس الضفة الغربية وغزة، إذاً، مستعمرةً اقتصاديةً خالصة للكيان الصهيوني، على نمط الاستعمار الأوروبي القديم في القرن الثامن عشر والتاسع عشر، وهو الأمر الواقع منذ احتلال الضفة الغربية وغزة عام 1967، إنما منح البروتوكول تلك الوضعية الاستعمارية “صفةً قانونية” باعتراف سلطةٍ فلسطينيةٍ. ومن يطّلع على بنود البروتوكول، التي تشمل الجمارك والضرائب والعمال الفلسطينيين والصناعة والزراعة والسياحة، لا يمكن إلا أن يخرج بمثل هذا الاستنتاج.
ولولا تلك الصفة الاستعمارية، من النوع الكلاسيكي المعتّق، لحقَّ التحدث عن “اختراق تطبيعي” في الأراضي المحتلة عام 1967 يتجاوز في بنيته وآلياته أي اختراق تطبيعي آخر في الوطن العربي.
أما الذين لا يتعاطون أوهام “الدولة الفلسطينية”، ومن يدركون أن فلسطين كلها محتلة، فهم يعرفون أننا نتحدث عن استعمار، لا عن اختراق تطبيعي فحسب في دولة فلسطين، حتى يصح أن نعقد المقارنات بين علاقاتها الاقتصادية مع الاحتلال من جهة، وعلاقاتها مع الدول العربية المطبعة من جهةٍ أخرى، وهي العلاقات التي شهدت تصاعداً كبيراً في الأشهر الماضية، كما وثقنا نمو تلك الظاهرة السرطانية في سلسلة مقالات خلال الأسابيع الفائتة في “الميادين نت”.
تصحّ المقارنة من ناحية واحدة فقط، وهي أنّ بروتوكول باريس يصلح نموذجاً مدرسياً، كتجربة مختبرية “إسرائيلية”، لطبيعة العلاقات الاقتصادية التي قد يفرضها الكيان الصهيوني على محيطه العربي المطبع عندما يُحكِم سيطرته عليه تماماً، إذ إنَّ نهاية التطبيع هي الهيمنة، لينشأ متروبول، أي مركز استعماري، إسرائيلي، في محيط “شرق أوسطي”، وليس الضابط الوازع إلا ميزان القوى في النهاية.
في أهمية تفكيك الضفة الغربية بالحواجز والمستعمرات اقتصادياً
على الرغم من التطبيل والزمير والسفارات والوزارات والمناصب الرسمية والرتب العسكرية والأجهزة الأمنية والسجون… فإنَّ الواقع هو أن دولة فلسطين عبارة عن حكم ذاتي محدود الصلاحيات في المناطق التي يسمح لها الاحتلال أن توجد فيها. ويحفل الواقع بالأمثلة، سياسياً وأمنياً، على هذه الحقيقة، إنما ما يعنينا هنا هو البعد الاقتصادي للعلاقة الاستعمارية التي كرسها الاحتلال الصهيوني مع مناطق السلطة الفلسطينية.
نقول “مناطق السلطة الفلسطينية”، وهي لا تشمل كل الضفة الغربية بالمناسبة، فهناك المنطقة “ج”، التي تشكل نحو 60% من الضفة الغربية، وهي تلك الأجزاء من الضفة الغربية التي تنخفض فيها الكثافة السكانية الفلسطينية، وتتركز فيها عملية التهويد.
وقد أعلنت صحيفة “يسرائيل هيوم” الأسبوع الفائت، على سبيل المثال، عن مخطط لإقامة “حديقة وطنية” تابعة للمستوطنات في الضفة الغربية على مساحة تصل إلى مليون دونم بين القدس والبحر الميت، ستشمل نصف المساحة بينهما، وستشكل فاصلاً هائلاً بين شمال الضفة الغربية ووسطها.
تقطيع أوصال الضفة الغربية بالحواجز والطرق الالتفافية والمستعمرات و”المحميات الطبيعية” و”المناطق العسكرية”، ذو أهمية اقتصادية بالغة، بعيداً عن البعد التوراتي الذي يسكن المستعمرين المستوطنين اليهود، لأنَّه يجزئ الضفة الغربية اقتصادياً، أي يجعل سوقها أصغر حجماً، بل يحولها إلى أسواق شبه منفصلة، وبالتالي يقلل جدوى المشاريع الاقتصادية فيها برفعه ما يسمى كلفة المقايضات (transactions costs)، وهو ما يجعل المنشآت الاقتصادية المجدية في الضفة الغربية أقل حجماً وإنتاجيةً.
على سبيل المثال، لو افترضنا مصنعاً عادياً صغيراً لإنتاج المعلبات أو النسيج، فإنَّ قدرته على بيع منتجاته على أوسع نطاق ممكن بأقلّ تكلفة شحن ممكنة، وقدرته على استقطاب اليد العاملة المؤهلة على أوسع نطاق ممكن، هما ما تحدد مدى ربحه. وإذا اقتصرت مبيعاته على مدينة واحدة وجوارها، فإن سوقه تصبح أصغر، وبالتالي قدرته على المنافسة تصبح أقل، ولن ندخل هنا في القيود التي فرضها بروتوكول باريس على مدخلات الإنتاج. وفي ظلّ القيود الإسرائيلية المفروضة على التجارة الخارجية لمناطق السلطة الفلسطينية، فإنَّ الأجدى اقتصادياً أن يصبح التصدير إلى “إسرائيل”.
المحصّلة النهائية لتفكيك الضفة الغربية اقتصادياً بالذرائع الأمنية هي إتاحة مجال أوسع للسلع الصهيونية وضرب الصناعة المحلية وتقزيم المنشأة الاقتصادية الفلسطينية لمصلحة المنتجات الإسرائيلية. يُضاف إلى هذا دفع العامل الفلسطيني للهجرة أو للسعي جاهداً للعمل في الأرض المحتلة عام 1948 أو في مستعمرات الضفة الغربية.
العمالة الفلسطينية كاحتياطي للاقتصاد الصهيوني
بحسب تقرير لمكتب منسق الأمم المتحدة الخاص لـ”عملية السلام في الشرق الأوسط”، تم تقديمه إلى اجتماع لجنة الاتصال المخصصة للمانحين للسلطة الفلسطينية (AHLC) في بروكسل في 10 أيار/مايو الجاري، فإن عدد العمال الفلسطينيين الذين عبروا إلى “إسرائيل” في الأشهر الأخيرة من العام الجاري بلغ 153 ألف عامل، مع الموافقة على 20 ألف تصريح لغزة، تم إصدار 12 ألفاً منها حتى تاريخ صدور التقرير.
يجري الحديث هنا عن العمالة الرسمية الموثقة، وهناك أيضاً عمالة رسمية غير موثقة. ويشير تقرير لصحيفة “تايمز أوف إسرائيل”، في 10/12/2021، إلى أنَّ 25 ألف عامل فلسطيني يعملون في مستعمرات الضفة الغربية.
ولا يتوقف الأمر عند تأمين عمالة رخيصة للكيان الصهيوني ومستعمراته في الضفة بالحد الأدنى للأجور أو ما دونه، بل يتعداه إلى تحصيل “ضريبة دخل” ورسوم وضمان اجتماعي… من أولئك العمال باسم السلطة الفلسطينية، بعد حسم عمولة “إسرائيل” طبعاً، ليجري تسليم الباقي للسلطة بحسب المزاج الصهيوني أمنياً وسياسياً، بناءً على معادلات غير معلنة للجانب الفلسطيني.
يقدّر تقرير صحيفة “تايمز أوف إسرائيل” ذاته، استناداً إلى مصادر “الجيش” الصهيوني، أن أكثر من نصف مليون فلسطيني، من أصل 3 ملايين، غادروا الضفة الغربية. وتقدر الصحيفة، بناءً على رأي خبراء اقتصاديين إسرائيليين، أن نصف القوة العاملة المتبقية في الضفة الغربية تعتاش من العمل في الأرض المحتلة عام 1948 أو في مستعمرات الأرض المحتلة عام 1967.
ولو افترضنا أن نسبة النصف مبالغٌ بها، فإنَّ ظاهرة العمل لدى الاحتلال الصهيوني تظل نسبةً عاليةً من القوة العاملة في الضفة، لو استثنينا الأطفال (40%) والشيوخ وربات البيوت، وخصوصاً إذا استثنينا العاطلين من العمل الذين تبلغ نسبتهم نحو 18% في الضفة الغربية و44% في غزة.
الحصول على ترخيص للعمل في الأرض المحتلة عام 1948 قصة بحد ذاتها، تضاف إليها عمولات السماسرة والوسطاء والمكاتب… أي أن العمل في الكيان الصهيوني تحول إلى “جائزة” شخصية، وتخفيف القيود على العمالة الفلسطينية في مستعمرات الضفة والأرض المحتلة عام 1948 تحول إلى “جائزة” سياسية لشعب محاصر، وهو أمر خطر لا بد من التوقف عند بعده التربوي والنفسي تطبيعياً، تحت وطأة الحرمان من لقمة العيش.
الضفة وغزة كسوق كبيرة للمنتجات الإسرائيلية
لو ذهبتَ إلى القسم المتعلق بالتجارة الخارجية في موقع “دائرة الإحصاءات المركزية” الصهيوني، فإنك لن تجد ذكراً للضفة الغربية وغزة من بين المناطق التي تصدّر “إسرائيل” إليها أو تستورد منها، وهذا غريبٌ جداً، في الواقع، إذا أخذنا بعين الاعتبار أن “إسرائيل” صدّرت نحو 3.5 مليار دولار من السلع إلى الضفة الغربية وغزة عام 2021، وأكثر من مليار دولار في الأشهر الثلاثة الأولى من عام 2022، بحسب موقع “الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني” التابع لدولة فلسطين.
وإذا عدنا إلى موقع “دائرة الإحصاءات المركزية” في الكيان الصهيوني، إلى إحصاءات صادرات “إسرائيل” عام 2021 تحديداً، سنجد أنها بلغت أكثر من 16 مليار دولار إلى الولايات المتحدة، ونحو 4.4 مليار دولار إلى الصين، ونحو 2.8 مليار دولار إلى الهند، وهذا يعني أن صادرات الكيان الصهيوني إلى الضفة الغربية وغزة، البالغة نحو 3.5 مليار دولار، جاءت في المركز الثالث عالمياً، بعد الولايات المتحدة والصين، عام 2021، وقبل الهند، فعلامَ إغفال الصادرات إلى دولة فلسطين كبندٍ “مستقل”؟ الجواب عند القارئ الكريم.
لكن هذه الـ3.5 مليار دولار ليست سوى 55% من مجموع واردات الضفة وغزة عام 2021. فلننظر إذاً إلى صادراتها. سنجد، بناءً على أرقام “الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني” ذاته، أنها بلغت نحو 1.5 مليار دولار عام 2021، منها 1.3 مليار دولار من الصادرات التي ذهبت إلى “إسرائيل”، أي نحو 87% من مجموع صادرات مناطق السلطة الفلسطينية. كما بلغت أكثر من 85% من صادرات الضفة وغزة في الأشهر الثلاثة الأولى من عام 2022، بحسب المصدر ذاته، وهذا يعني أن صادرات الضفة وغزة مبرمجة اقتصادياً لتلبية حاجات السوق الإسرائيلية بحكم قانون الاستعمار.
وإذا جمعنا الصادرات إلى الكيان الصهيوني زائد الواردات منه، كمؤشر على قيمة التجارة الخارجية معه بالمجمل، فإننا نتحدث عن تبادل سلعي مقداره 4.8 مليارات دولار بين الضفة الغربية وغزة من جهة، و”إسرائيل” من جهةٍ أخرى، وهذا رقم لا يضارعه في الوطن العربي والعالم الإسلامي في عام 2021 إلا التبادل التجاري التركي مع الكيان الصهيوني، البالغ 6.66 مليارات دولار عام 2021، بحسب موقع “دائرة الإحصاءات المركزية” في الكيان الصهيوني.
الفرق هنا هو نسبة التبادل التجاري (أي الصادرات زائد الواردات) مع الكيان الصهيوني من الناتج المحلي الإجمالي، أي أهمية مثل ذلك التبادل بالنسبة إلى حجم الاقتصاد الكلي، فالاقتصاد التركي هو أكبر مطبع في المنطقة بالمطلق، كما تثبت الأرقام من دون أدنى شك، رغم زيف الخطاب المنافق، لكنّ الاقتصاد التركي أكبر بعشرات الأضعاف من اقتصاد الضفة وغزة، البالغ نحو 15 مليار دولار فحسب عام 2021، وهذا يعني أن اقتصاد الضفة الغربية وغزة هو اقتصاد مستعمرة، لا اقتصاد تابع أو حتى مطبّع مع الاحتلال الصهيوني؛ مستعمرة بالمعنى التقليدي، يديرها وكلاء اقتصاديون للاستعمار، أي كمبرادور، وغير اقتصاديين.
الحديث، بالمناسبة، عن غزة أيضاً، لا عن الضفة فحسب. وقد صدر تقرير اقتصادي عن “وحدة تنسيق النشاطات الحكومية في المناطق”، أي إدارة الاحتلال، في بداية شهر آذار/مارس 2022، يشير إلى أنَّ صادرات غزة إلى “إسرائيل” ارتفعت في أول شهرين من العام الجاري بمقدار 142% مقارنة بالعام الفائت. وتتكون هذه الصادرات من البطاطا الحلوة والبندورة والخيار والباذنجان والفراولة والأسماك.
وللعلم، تدخل كلّ يوم عشرات الشاحنات لنقل السلع وحوامل الطاقة الإسرائيلية إلى غزة عبر معبر بيت حانون. لست في موضع رفع شعار “لا للتطبيع مع العدو الصهيوني” في وجه الغزاويين، لأنهم يعانون مرارة الحصار، والاحتلال هو الذي يقطع عنهم منتجاته عندما يريد أن يجوعهم، فهم كالسجين في زنزانة كبيرة، وغزة ليست منطقة محررة بعد. وعندما يفتح معبر رفح بشكلٍ طبيعي للبشر والبضائع، يمكن أن نرفع مثل ذلك الشعار بوضوح، وهي مسؤولية المصريين في إيقاف التطبيع مع العدو الصهيوني، مع الإصرار على مبدأ “قاطع ما استطعت إلى المنتج الصهيوني بديلاً”.
تعاني السلطة الفلسطينية، من جهتها، أزمة مالية شرسة، ولا سيما منذ وقفت ضد “صفقة القرن” التي تسعى لتقويض وجودها، فالمساعدات الدولية جفت، والتحويلات الإسرائيلية لمستحقاتها قلّت، وهي تخوض “معركة” مالية لمجرد الاستمرار، فـ”المعارضة السياسية” ليست خياراً في ظل الاحتلال، وهو الدرس الذي يجب أن يفهمه الجميع.
هذا استعمار بكلِّ ما للكلمة من معنى. وما يقابله هو برنامج التحرير، لا برنامج الدويلة المستقلة أو “إصلاح السلطة” أو “استمالة الرأي العام الإسرائيلي”… نتحدث عن الجزائر تحت الاحتلال الفرنسي أو فيتنام تحت الاحتلال الأميركي.
التجارب كثيرة، وكلّها تعلّمنا أن الطريق هو المقاومة والتحرير، لا التلهي بتحسين شروط العلاقة مع المحتل أو توق فصيل ما إلى الحلول محل السلطة أو من سيخلف محمود عباس… هذا ليس رأياً شخصياً، فالطريق واضح، واسمه الميثاق الوطني الفلسطيني غير المعدل، والميثاق القومي من قبله، وثيقة الإجماع الوطني الوحيدة في التاريخ المعاصر للشعب العربي الفلسطيني. الاستعمار، ببساطة، لا يعالجه إلا مشروع تحرير.