أبعاد ونتائج دولرة القطاع السياحي في لبنان
موقع العهد الإخباري-
د. محمود جباعي:
بدأ المغتربون اللبنانيون ومعهم العديد من السياح الأجانب بالتوافد الى لبنان منذ بداية الشهر الحالي حيث يدخل يوميًا بين 17 ألف و19 ألف شخص عبر مطار الشهيد رفيق الحريري الدولي علمًا أن الحجوزات تشير الى أن هذا الرقم سيستمر بصورة يومية تقريبًا لمدة 3 أشهر ليصل العدد الاجمالي للوافدين في هذه الفترة حسب الحجوزات الى حوالي مليون و200 ألف شخص. يشكل المغتربون اللبنانيون حوالي 80 بالمئة من الوافدين لامضاء عطلة الصيف مع عائلاتهم وأقاربهم قبل العودة مجدداً الى البلاد التي يعملون ويستقرون بها.
هذه الأرقام الكبيرة من الوافدين في الموسم السياحي تبشر بدخول أكثر من مليار دولار الى البلاد سيصرف جزء منها في الاستهلاك اليومي للسلع والخدمات المختلفة. هذا الأمر سيساهم في تحريك العجلة الاقتصادية في القطاعات السياحية من فنادق ومطاعم ومقاهي ومنتجعات سياحية على أنواعها. كذلك سيحرك الطلب على استهلاك المواد الغذائية اضافة إلى العديد من المصالح الأخرى مثل مكاتب تأجير السيارات ومكاتب بيع بطاقات التشريج الخليوي المسبقة الدفع.
إلا أن كل هذه الايجابيات الكبيرة لن تساهم في تطوير النشاط الاقتصادي بشكل مستدام أو على الأقل في الفترة المقبلة بعد مغادرة الوافدين والعودة الى الأماكن التي أتوا منها، إذا لم تتخذ السلطات المعنية عدة إجراءات تساهم في استغلال هذا الموسم السياحي الواعد من خلال الاستفادة من العوائد المالية والنقدية الناتجة عنه عبر العمل على إعادة توزيع الدخل على الفئات الاخرى في البلاد، وخاصةً الموظفين في القطاعين العام والخاص الذين يتقاضون مبالغ زهيدة بالليرة اللبنانية.
تماشياً مع هذا الموسم السياحي الواعد أصدر وزير السياحة اللبناني وليد نصار تعميماً سمح فيه للمؤسسات السياحية بشكل استثنائي بإعلان لوائح اسعارها بالدولار الأميركي على أن تصدر الفاتورة النهائية بالليرة اللبنانية على سعر الصرف اليومي حسب تسعيرة سوق السوداء أو بالدولار الاميركي حصراً وذلك حتى تاريخ 30 ايلول/ سبتمبر من العام الجاري.
ويربط الوزير قراره بحالة سعر صرف الدولار مقابل الليرة اللبنانية المتقلبة يومياً. يعتبر هذا القرار مفيدًا للقطاع السياحي وللمؤسسات السياحية في البلاد، لكنه من ناحية أخرى شكل صدمة كبيرة للمواطنين اللبنانيين المقيمين في لبنان الذين لا يستطيع عدد كبير منهم شراء “سندويش” واحد من المطاعم وليس فقط زيارة المعالم الاثرية والمنتجعات السياحية، وذلك بعد انهيار سعر صرف الليرة 20 ضعف عما كانت عليه قبل الأزمة. فسعر الصرف اليوم مستقر نسبيًا بحدود 30 الف ليرة للدولار الواحد بعد أن كان 1500 ليرة قبل الازمة. علماً أن مؤشر الأجور لم يتحرك أكثر من 20 % كمعدل وسطي في البلاد بينما أسعار المواد الغذائية ارتفعت بحدود 1000 % عما كانت عليه سابقاً بمعدل تضخم سنوي وصل الى حدود 240 % في بداية عام 2022 بالمقارنة مع بداية عام 2021.
بناء على هذه المعطيات، إن دولرة الفواتير في القطاع السياحي ستساهم حتماً في ارتفاع الاسعار لانها ستحتسب حصراً بالدولار الاميركي أو بما يعادله حسب سعر الصرف في السوق السوداء مما سيساهم في حصول المزيد من التقهقر في القدرة الشرائية للمواطنين المقيمين في لبنان. لذلك وجب على الحكومة اللبنانية تقاضي ضرائب ورسوم عالية من أصحاب المؤسسات السياحية وأن تكون هذه الضرائب والرسوم إما بالدولار أو على سعر صرف دولار السوق الموازي ومن ثم استعمال هذه المبالغ المستوفاة في عملية تحسين أجور الموظفين في القطاعات الاخرى منعاً لحصول مزيد من التقلص في حجم الطبقة الوسطى، مع تفعيل نظام الرقابة على هذه المؤسسات من أجل الزامها ايضاً بدفع رواتب موظفيها على سعر الدولار أو على سعر الصرف الموازي له لانه من غير المعقول أن تتقاضى هذه المؤسسات فواتيرها بالدولار وأن تقوم بالمقابل بدفع الرواتب والرسوم والضرائب على سعر الصرف الرسمي.