آليات عمل اللوبي اليهودي في أمريكا
تعرف الموسوعة البريطانية كلمة “اللوبي” بأنها مجموعة من العملاء النشطاء، الذين لهم مصالح خاصة، ويمارسون الضغوط على الموظفين الرسميين خصوصاً المشــرعين، وذلك للتأثير عليهم، أثناء ممارسة عملهم.
أما الطبعة الدولية من قاموس “ويبستر”، فتذكر التعريف التالي: أشخاص يترددون على ردهات المجلس، أو أشخاص ليسوا أعضاء في المجلس التشريعي ولا يحملون صفة رسمية، أو يشغلون مناصب حكومية، يحاولون التأثير على المشتركين، أو الشخصيات العامة، من خلال الصلات الخاصة، وذلك بهدف تشريع معين، أو اتخاذ قرارات محددة.
قد يكون هذا مدخلاً لمعرفة مستوى نفوذ اللوبي اليهودي في الولايات المتحدة الأمريكيــة وبالتحديد في مواقع القرار، وكذلك حقيقة المنظمات اليهودية في الولايات المتحدة، آليات عملها لاستمالة العلاقات الأمريكية الإسرائيلية لصالح إسرائيل في إطار المصالح الأمريكية الشرق أوسطية.
وفي حين كان التوجه الصهيوني لبريطانية قبل عام 1948، أصبح فيما بعد للقطب الأمريكي بعد التاريخ المذكور؛ نظراً للنفوذ والقوة الأمريكية في إطار العلاقات الدولية. وتجلى النهج الصهيوني من أجل تحقيق الهدف المذكور في أنماط متعددة، بعضها رئيسي وبعضها فرعي، وأهم هذه الأنماط إطلاقاً، وأشدها سيطرة على النهج بأكمله، هو النمط المرحلي، فالمرحلية هي اللون السائد في لوحة الصهيونية او النغم السائد في معزوفتها، أو الخيط المتصل في نسيجها، والحديث عن النهج الصهيوني أو البرنامج الصهيوني هو في أصدق معانيه، الحديث عن النمط المرحلي الذي يتخلله بأكمله ويتجلى في كل لحظة من لحظاته وفي كل حركة من حركاته، و قوام فكرة المرحلية في نظرية العمل الصهيوني، تفاعل أربعة مبادئ:
أولاً: الواقعية، التي تعين الحد الأقصى لما تطالب به الحركة الصهيونية في كل ظرف، طبقاً لأوضاعه وإمكانياته.
ثانيًا: المرونة، التي تقوم بتكييف الأشكال و الوسائل.
ثالثًا: مبدأ اللاتراجع، الذي يعين الحد الأدنى للمطالب الصهيونية في كل ظرف.
رابعًا: التصاعد، أو الانتقال، بعد استنفاذ مكاسب ذلك الظرف إلى مرحلة جديدة، تفصح فيها الحركة الصهيونية عن مطالب جديدة، يكون حدها الأدنى ما كان في المرحلة السابقة حداً أقصى ومطلباً كاملاً مدعوماً. وتبعاً لتلك المبادئ يمكن فهم العلاقات الصهيونية مع دول العالم.
وقد استفادت الحركة الصهيونية من وجود غالبية اليهود في العالم في الولايات المتحدة، حيث وصل عددهم إلى (5.7) مليون يهودي. واستطاعت الاستفادة من إنشاء لوبي يهودي ضاغط في الولايات المتحدة الأمريكية، بالاعتماد على القانون الأمريكي الصادر في عام 1946 والذي أعطى الحق للجماعات المختلفة في تشكيل مجموعة ضغط، يهدف ضمان مصالحها من خلال استراتيجيات وتكتيكات متعددة منها:
أولاً : التأثير المباشر، مثل الاتصال بكل من السلطة التنفيذية والتشريعية.
ثانياً : التأثير غير المباشر، مثل تعبئة الرأي العام، وخلق اتجاه عام يؤثر على صانعي السياسة، لإقناعهم بقرار يحقق مصلحة مثل هذه الجماعات.
وتبعًا للقانون المذكور استطاعت الجماعات اليهودية بدعم من الحركة الصهيونية تشكيل لجنة الشؤون العامة الأمريكية الإسرائيلية (أيباك) AIBAC عام 1959، وسجلت لدى الدوائر الأمريكية باعتبارها لوبي صهيوني. ويعتبر (سي كنن) الذي سجل اسمه في سجلات وزارة العدل الأمريكية مؤسسها، وفي ذات الوقت يعتبر وكيلاً لدولة أجنبية، وتتألف لجنة إيباك من رئيــس ومدير تنفيذي، ويقوم مجلس الاتحاد الفيدرالي اليهودي، ومنظمة بناي بريث، في دعم لجنة إيباك. لخدمة الحركة الصهيونيــة وإسرائيل، وذلك من خلال دعم اللوبي اليهودي، وزحف نفوذه في الكونغرس الأمريكي ومواقع القرار الأخرى في الولايات المتحدة الأمريكية.و تحرص لجنة إيباك على أن يحضر ممثل عنها كل اجتماع مفتوح في الكونغرس الأمريكي، ليوزع البطاقات، ويتصل دون وجل بكل موظف من أعلاهم درجة إلى أدناهم. أما الاجتماعات المغلقة فيحضرها دائماً، عضو من التجمع المؤيد لإسرائيل في المجلس ويطالع سجل الكونجرس بانتظام، وكل ملاحظة تدعو إلى القلق تستتبع زيارات من قبل اللجنة.
ويتضح من هذه الأمثلة مدى قوة اللوبي الصهيوني في تأثيره على الكونجرس. إلا أنه من الواضح تماماً، أن المساندة الأمريكية لإسرائيل تتجاوز حدود مجموعات اللـوبي، وهذا ما أكده رئيس الوزراء المقتول إسحاق رابين، أثناء عمله كسفير لإسرائيل في واشنطن، حيث قال: “أعتقد أن ارتباط الشعب الأمريكي وإدارته بإسرائيل يفوق وزن الجالية اليهودية ونفوذها”.
واستطاع اللوبي اليهودي في الولايات المتحدة الأمريكية على مدار السنوات السابقة، محاربة أعضاء الكونجرس الأمريكيين الذين حاولوا الوقوف إلى جانب الحق العربي في فلسطيني، ويتهمون الكونجرس الذي يقف إلى جانب الحق الفلسطيني بمعاداته للسامية، وكذلك في مناهضة إسرائيل، ونجح اللوبي اليهودي في إبعاد المشرعين الأمريكيين عن زيارة البلدان العربية، بقدر نجاحه في عرض وجهات نظر إسرائيل دون سواها، ويستخدم اللوبي اليهودي عبر منظماته العديدة في الولايات المتحدة، المال لاستمالة بعض أعضاء الكونجرس إلى جانب إسرائيل، واستطاع هذا اللوبي على الدوام الضغط على الإدارات الأمريكية للإبقاء على المساعدات الأمريكية التي بلغت قيمتها التراكمية خلال الفترة (1951-2013) نحو (136) مليار دولار، منها 61% كانت على شكل مساعدات عسكرية.
نبيل السهلي – بانوراما الشرق الاوسط